وتشير السنة الى ما تتطلبه فضيلة كظم الغيظ من جهد ومعاناة ، ومغالبة للهوى والنفس ، فيقول الحديث الشريف : «ما جرع عبد جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله تعالى».
فالتعبير بكلمة «جرع» تفيد معنى المعاناة والمعالجة وحمل النفس على الشيء المتعب الذي يعقب خيرا ، كما يتجرع المريض الدواء المر ليورثه الشفاء والعافية. وهذا هو الأصفهاني يقول في كتابه «مفردات القرآن» عن مادة جرع : جرع الماء يجرع ، وقيل جرع وتجرعه اذا تكلف جرعه ، قال عزوجل : «يتجرعه ولا يكاد يسيغه».
وكأن احتياج كظم الغيظ الى الجهد والمشقة والمقاومة ، هو بعض السر في أن الله تبارك وتعالى قد جعل هذه الفضيلة من أخلاق اهل التقوى ، كما جاء في التنزيل المجيد : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ).
ولعل هذا هو السبب في أن السيدة عائشة رضي الله عنها كظمت غيظها ، حينما غاظها بعض من يخدمها ، وقالت : «لله در التقوى ما تركت الذي غيظ شفاء».
* * *
[العامل المفسد لكظم الغيظ]
والغضب هو العامل المفسد لكظم الغيظ. فمن استجاب لداعي الغضب لم يستطع ان يكظم غيظه ، ولذلك يروى أن رجلا رحل الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال له : علّمني شيئا ، ولا تكثر علي لعلي أعيه. فقال له : لا تغضب ، فكرر الرجل قوله مرارا ، وفي كل مرة يقول له النبي : لا تغضب.
وفي بعض الروايات أن هذا الرجل يسمى «جارية بن قدامة»