كظم فلان غيظه اذا تجرعه ، فحفظ نفسه من ان تمضي ما هي قادرة على امضائه باستمكانها ممن غاظها ، وانتصارها ممن ظلمها.
وأصل ذلك من كظم القربة ، يقال منه : كظمت القربة اذا ملأتها ماء. وفلان كظيم ومكظوم اذا كان ممتلئا غما وحزنا ، ومنه قول الله عزوجل : (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) يعني ممتلىء من الحزن ، ومنه قيل لمجاري المياه : الكظائم ، لامتلائها بالماء ، ومنه قيل : أخذت بكظمه ، يعني بمجاري نفسه ، والغيظ مصدر من قول القائل : غاظني فلان فهو يغيظني غيظا ، وذلك اذا أحفظه وأغضبه. أه.
* * *
وكظم الغيظ يحتاج الى ارادة صلبة ، وعزيمة قوية ، وشخصية تتحكم في عواطفها ومشاعرها وانفعالاتها ، فلا يستبد بها الغضب ، ولا يسيطر عليها الهوى الجامح ، فيدفعها الى الانتقام والتشفي ، أو الى ارتكاب ما لا يحسن بالرجل الحكيم الوقور.
ولذلك قال سيد الخلق محمد صلوات الله وسلامه عليه : «ليس الشديد بالصّرعة : انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». وفي رواية انه قال : ما تعدون الصرعة فيكم؟. قالوا : الذي لا يصرعه الرجال. قال : ليس بذلك ، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب.
ولقد عنيت السنة المطهرة عناية واضحة بفضيلة كظم الغيظ ، فجاءت فيها مجموعة من الأحاديث الشريفة التي تنوه بمكانة هذا الخلق الاسلامي القرآني ، فجاء في الحديث : «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق ، حتى يخيّره من أي الحور العين شاء». وجاء فيه : «من كظم غيظا ـ ولو شاء أن يمضيه لامضاه ـ ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا».