و «الغيظ» صفة تدل على تغير في المخلوق عند احتداده يتحرك لها ، وفي الحديث جاءت كلمة : «غيظ جارتها» ، لأنها ترى من حسنها ما يغيظها ويهيج حسدها. ولقد قال الاستاذ الامام محمد عبده عن الغيظ : «الغيظ ألم يعرض للنفس اذا هضم حق من حقوقها المادية ، كالمال ، او المعنوية كالشرف ، فيزعجها الى التشفي والانتقام ، ومن أجاب داعي الغيظ الى الانتقام لا يقف عند حد الاعتدال ، ولا يكتفي بالحق ، بل يتجاوزه الى البغي ، فلذلك كان من التقوى كظمه».
وقد وردت مادة «الغيظ» في آيات من القرآن الكريم ، ففي سورة آل عمران : (وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) الآية ١١٩. وفي سورة التوبة : (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) الآية ١٥. وفيها أيضا : (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ) الآية ١٢٠. وفي سورة الاحزاب : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ) الآية ٢٥ ... الخ.
و «كظم الغيظ» هو تجرعه واحتمال سببه والصبر عليه ، وفي الحديث : «اذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع». اي فليحبسه ما أمكنه ، وقد قال المفسرون في قوله تعالى عن المتقين : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) (١) انهم الذين اذا ثار بهم الغيظ ـ وهو أشد الغضب ـ كظموه وكتموه ، ولم يستجيبوا لداعيه ، ولا يعملون غضبهم في الناس ، بل يكفون عنهم شرهم ، ويحتسبون ذلك عند الله عزوجل.
ولشيخ المفسرين الامام ابن جرير الطبري عبارة في التعليق على كلمة (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) ، يقول فيها ما نصه : «قوله : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) يعني والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه ، يقال منه :
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١٣٤.