حدثنا القرآن ـ اذا شربوا من خمر الجنة لم تتغير عقولهم ، ولم يتكلموا بلغو ، بخلاف أهل الدنيا ، ولا يكذب بعضهم بعضا ، ولا يسمعون كذبا.
وكذلك يقول في سورة الغاشية : (لا تسمع فيها لاغية) (١) أي لغوا ، فجعل اسم الفاعل وصفا للكلام ، واللاغية هنا يراد بها الكلام الساقط غير المرضي ، فلا يسمعون فيها كذبا ولا اثما ولا شتما ولا معصية ولا حلفا بيمين برة أو فاجرة ، لأن أهل الجنة لا يتكلمون الا بالحكمة ، وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم.
ويقول الامام محمد عبده في تفسير هذه الآية : «وانما عجل بهذا الوصف الشريف عقب ذكر الجنة قبل ذكر بقية أنواع النعيم ، لدفع ما يسبق الى الاذهان عند ذكر الجنة ونعيمها ، من أحوال أهل الترف والمولعين بالشهوات ، من تمضية الاوقات في اللهو ، والقول اللغو ، واطلاق الالسن عن قيد الادب ، فيجعلون من متممات النعيم قذائف الهجر والفحش.
فقد سارع الى تنزيه نعيم أهل الجنة عما هو من لوازم نعيم غيرهم في الدنيا ، وفي ذلك تنبيه للمؤمنين الى أنه لا يليق بهم أن يكونوا من أهل اللغو ، مهما فاض عليهم النعيم ، واتسعت لهم النعمة ، بل ذلك مما ينزهون عنه حتى اذا رفعت عنهم التكاليف ، ووصلوا الى فضاء الرحمة الذي لا سخط فيه ولا نقمة ، فنعيمهم ينبغي أن يكون نعيم أهل الفضل والجد ، لا نعيم أهل الجهل والحمق.
فاعتبر بهذه الحكمة ، ثم انظر كيف قدم من الاوصاف للجنة وضروب نعيمها ما هو روحاني ، يليق بأرباب النفوس العالية ، والمقامات الرفيعة
__________________
(١) سورة الغاشية ، الآية ١١.