تعبدني ، وإمّا أن يبعث إليّ فإن شئت عفوت عنه ، وإن شئت عاقبته» ، وفي رواية : «وإمّا أن يتولى فإنّ جهنم من ورائه».
وقال قتادة : ملكوت السموات الشمس والقمر والنجوم ، وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار ، (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) ، عطف على المعنى ، ومعناه : نريه ملكوت السموات والأرض ، ليستدلّ به وليكون من الموقنين.
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً) الآية.
قال أهل التفسير : ولد إبراهيم عليهالسلام في زمن نمرود بن كنعان ، وكان نمرود أول من وضع التاج على رأسه ودعا الناس إلى عبادته ، وكان له كهان ومنجّمون ، فقالوا له : إنه يولد في بلدك هذه السنة غلام يغيّر دين أهل الأرض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه ، ويقال : إنهم وجدوا ذلك في كتب الأنبياء عليهمالسلام.
فقال السدي : رأى نمرود في منامه كأن كوكبا طلع فذهب بضوء الشمس والقمر حتى لم يبق لهما ضوء ، ففزع من ذلك فزعا شديدا ، فدعا السحرة والكهنة فسألهم عن ذلك ، فقالوا : هو مولود يولد في ناحيتك في هذه السنة ، فيكون هلاكك وهلاك ملكك وأهل بيتك على يديه ، قالوا : فأمر بذبح كل غلام يولد في ناحيته في تلك السنة ، وأمر بعزل الرجال عن النساء ، وجعل على كل عشرة رجلا فإذا حاضت المرأة خلّى بينها وبين زوجها ، لأنهم كانوا لا يجامعون في الحيض ، فإذا طهرت حال بينهما ، فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت من الحيض فواقعها ، فحملت بإبراهيم عليهالسلام.
وقال محمد بن إسحاق : بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى بقرية (١) ، فحبسها عنده إلّا ما كان من أمّ إبراهيم عليهالسلام ، فإنه لم يعلم بحبلها لأنها كانت جارية حديثة السن ، لم يعرف الحبل في بطنها ، وقال السدي : خرج نمرود بالرجال إلى معسكر ونحاهم عن النساء تخوّفا من ذلك المولود أن يكون ، فمكث بذلك ما شاء الله ثم بدت له حاجة إلى المدينة ، فلم يأتمن عليها أحدا من قومه إلّا آزر ، فبعث إليه ودعاه وقال له : إنّ لي حاجة أحب (٢) أن أوصيك بها ولا أبعثك إلا لثقتي بك ، فأقسمت عليك أن لا تدنو من أهلك ، فقال آزر : أنا أشح على ديني من ذلك ، فأوصاه بحاجته ، فدخل المدينة وقضى حاجته ، ثم قال : لو دخلت على أهلي فنظرت إليهم فلمّا نظر إلى أم إبراهيم عليهالسلام لم يتمالك حتى واقعها ، فحملت بإبراهيم عليهالسلام.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لمّا حملت أم إبراهيم قال الكهان لنمرود : إن الغلام الذي أخبرناك به قد [حملت به](٣) أمه الليلة ، فأمر نمرود بقتل الغلمان ، فلمّا دنت ولادة أم إبراهيم عليهالسلام وأخذها المخاض خرجت هاربة مخافة أن يطّلع عليها فيقتل ولدها ، فوضعته في نهر يابس ثم لفته في خرقة ووضعته في حلفاء فرجعت فأخبرت زوجها بأنها ولدت وأن الولد في موضع كذا وكذا فانطلق أبوه فأخذه من ذلك المكان وحفر له سربا عند نهر ، فواراه فيه وسدّ عليه بابه بصخرة مخافة السباع ، وكانت أمه تختلف إليه فترضعه.
وقال محمد بن إسحاق : لمّا وجدت أم إبراهيم الطلق خرجت ليلا إلى مغارة كانت قريبا منها فولدت
__________________
(١) في ب «بقريته».
(٢) في المطبوع «أريد» وفي ط «أحببت».
(٣) في المطبوع «حملته».