فيها إبراهيم عليهالسلام وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود ، ثم سدّت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها ثم كانت تطالعه لتنظر ما فعل فتجده حيا يمصّ إبهامه.
وقال أبو روق : قالت أم إبراهيم ذات يوم : لأنظرنّ إلى أصابعه ، فوجدته يمص من إصبع ماء ، ومن إصبع لبنا ومن إصبع عسلا ومن إصبع تمرا ، ومن إصبع سمنا.
وقال محمد بن إسحاق : كان آزر قد سأل أم إبراهيم عن حملها ما فعل؟ فقالت : قد ولدت غلاما فمات ، فصدقها فسكت عنها ، وكان اليوم على إبراهيم في النشوء كالشهر والشهر كالسنة (١) ، فلم يمكث إبراهيم في المغارة إلا خمسة عشر شهرا حتى قال لأمه أخرجيني فأخرجته عشاء فنظر وتفكّر في خلق السموات والأرض ، وقال : إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربي الذي ما لي إله غيره ، ثم نظر إلى السماء فرأى كوكبا قال : هذا ربي ، ثم أتبعه بصره ينظر إليه حتى غاب ، فلما أفل ، قال : لا أحب الآفلين. [فلما رأى القمر بازغا قال : هذا ربّي](١) ثم أتبعه ببصره حتى غاب ، ثم طلعت الشمس هكذا إلى آخره ، ثم رجع إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته وعرف ربه وبرىء من دين قومه إلا أنه لم ينادهم بذلك ، فأخبره أنه ابنه وأخبرته أم إبراهيم أنه ابنه ، وأخبرته بما كانت صنعت في شأنه فسرّ آزر بذلك وفرح فرحا شديدا.
وقيل : إنه كان في السرب سبع سنين ، وقيل : ثلاث عشرة سنة ، وقيل : سبع عشرة سنة (١) ، قالوا : فلمّا شبّ إبراهيم عليهالسلام ، وهو في السرب قال لأمه : من ربّي؟ قالت : أنا ، قال : فمن ربّك؟ قالت : أبوك ، قال : فمن ربّ أبي؟ قالت : نمرود ، قال : فمن ربّه؟ قالت له : اسكت فسكت ، ثم رجعت إلى زوجها فقالت : أرأيت الغلام الذي كنّا نحدث أنه يغيّر دين أهل الأرض فإنه ابنك ، ثم أخبرته بما قال ، فأتاه أبوه آزر ، فقال له إبراهيم عليهالسلام : يا أبتاه من ربي؟ قال : أمّك ، قال : فمن ربّ أمي؟ قال : أنا ، قال : فمن ربّك؟ قال : نمرود ، [قال : فمن رب نمرود؟ فلطمه لطمة وقال له : اسكت فلما جن الليل دنا من باب السرب فنظر من خلال الصخرة فأبصر كوكبا قال : هذا ربي](٢) ، ويقال (٣) : إنه قال لأبويه أخرجاني فأخرجاه من السرب وانطلقا به حين غابت الشمس ، فنظر إبراهيم إلى الإبل والخيل والغنم ، فسأل أباه ما هذه؟ فقال : إبل وخيل وغنم ، [فقال :](٤) ما لهذه بدّ من أن يكون لها ربّ وخالق ، ثم نظر فإذا المشتري قد طلع ، ويقال : الزهرة ، وكان تلك الليلة في آخر الشهر فتأخّر طلوع القمر فيها ، فرأى الكوكب قبل القمر ، فذلك قوله عزوجل : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) ، أي : دخل ، يقال : جنّ الليل وأجنّ ، وجنّه الليل ، وأجنّ عليه الليل يجنّ جنونا وجنانا إذا أظلم وغطى كل شيء ، وجنون الليل سواده ، (رَأى كَوْكَباً) قرأ أبو عمرو راى بفتح الراء وكسر الألف ، ويكسر هما ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ، فإن اتصل بكاف أو هاء فتحهما ابن عامر وإن لقيهما ساكن كسر الراء وفتح الهمزة ، وحمزة وأبو بكر وفتحهما الآخرون. (قالَ هذا رَبِّي).
واختلفوا في قوله ذلك فأجراه بعضهم على الظاهر ، وقالوا : كان إبراهيم مسترشدا طالبا للتوحيد حتى وفّقه الله وآتاه رشده فلم يضرّه ذلك في حال الاستدلال ، وأيضا كان ذلك في حال طفوليته قبل قيام
__________________
(١) هذه الآثار مصدرها كتب الأقدمين.
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) في المطبوع «قال».
(٤) سقط من المطبوع.