(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)).
(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) ، ولما رجع إبراهيم عليهالسلام إلى أبيه ، وصار من الشباب بحالة سقط عنه طمع الذّباحين ، وضمه آزر إلى نفسه جعل آزر يصنع الأصنام ويعطيها إبراهيم ليبيعها ، فيذهب [بها](١) إبراهيم عليهالسلام وينادي من يشتري ما يضرّه ولا ينفعه ، فلا يشتريها أحد ، فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر فصوّب (٢) فيه رءوسها ، وقال : اشربي استهزاء بقومه ، وبما هم فيه من الضّلالة ، حتى فشا استهزاؤه بها في قومه وأهل قريته ، (وَحاجَّهُ) ، أي : خاصمه وجادله قومه في دينه ، (قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ) قرأ أهل المدينة وابن عامر بتخفيف النون ، وقرأ الآخرون بتشديدها إدغاما لإحدى النونين في الأخرى ، ومن خفف حذف إحدى النونين تخفيفا يقول : أتجادلونني في توحيد الله ، وقد هداني للتوحيد والحق؟ (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) ، وذلك أنهم قالوا له : احذر الأصنام فإنّا نخاف أن تمسّك بسوء (٣) من خبل أو جنون لعيبك إيّاها ، فقال لهم : ولا أخاف ما تشركون به ، (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) ، وليس هذا باستثناء من الأول بل هو استثناء منقطع ، معناه : لكن إن يشأ ربي شيئا أي سوءا (٤) فيكون ما شاء ، (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) ، أي : أحاط علمه بكل شيء ، (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ).
(وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤))
(وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ) ، يعني : الأصنام وهي لا تبصر ولا تسمع ولا تضرّ ولا تنفع ، (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) ، حجة وبرهانا ، وهو القاهر القادر على كل شيء ، (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُ) ، أولى ، (بِالْأَمْنِ) ، أنا وأهل ديني أم أنتم ، (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). فقال الله تعالى قاضيا بينهما : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) ، لم يخلطوا إيمانهم بشرك ، (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).
[٨٨٠] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن
__________________
[٨٨٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
إسحاق هو ابن راهويه ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي ، علقمة هو ابن قيس.
وهو في «صحيح البخاري» ٣٤٢٩ عن إسحاق بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٣٢ و ٣٤٢٨ و ٤٦٢٩ و ٤٧٧٦ و ٦٩١٨ و ٦٩٣٧ ومسلم ١٢٤ والترمذي ٣٠٦٧ والنسائي في «الكبرى» ١١٣٩٠ والطيالسي ٢٧٠ وأحمد (١ / ٣٨٧ و ٤٢٤ و ٤٤٤) والطبري ١٣٤٨٣ و ١٣٤٨٤ و ١٣٤٨٧ وابن حبان ٢٥٣ وابن مندة في «الإيمان» ٢٦٥ و ٢٦٦ و ٢٦٧ و ٢٦٨ والبيهقي (١٠ / ١٨٥) من طرق عن الأعمش به.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) كذا في المطبوع و ، أوفي ب ، وط «فضرب».
(٣) في ب «بشق».
(٤) تصحف في المطبوع «سواء».