«بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (١).
وأسلم هنا معناها استسلم وخضع وفوض ، وأخلص عمله لبارئه ، أو كما يعبر «تفسير المنار» اسلام الوجه لله هو كمال التوجه اليه وحده ، وتخصيصه بالعبادة دون سواه ، كما قال في سورة الفاتحة :
«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» (٢).
وقد عبّر عن اسلام القلب ، وصحة القصد الى الشيء ، باسلام الوجه ، كما عبر بتوجيه الوجه ، أو اقامة الوجه ، في مواطن أخرى ، كما سنرى بعد قليل. وذلك لأن قاصد الشيء يقبل عليه بوجهه ، فلما كان توجيه الوجه الى شيء له جهة ، تابعا لقصده ، واشتغال القلب به ، عبر عنه به ، وجعل التوجه بالوجه الى جهة مخصوصة ـ وهي القبلة ـ بأمر الله مذكرا باقبال القلب على الله الذي لا تحدده الجهات.
فالانسان يتضرع ويسجد لله تعالى بوجهه ، وعلى الوجه يظهر أثر الخشوع. والمراد من اسلام الوجه لله افراده بالعبادة والاخلاص له ، بأن لا يجعل الانسان بينه وبين ربه وسطاء يقربونه اليه زلفى ، فانه أقرب اليه من حبل الوريد.
ويقول الله تعالى في سورة النساء :
«وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ١١٢.
(٢) سورة الفاتحة ، الآية ٥.