وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ، وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً» (١).
أي أخلص دينه ، وخضع له ، وتوجه اليه في العبادة ، وكان له مثل أعلى في ابراهيم أبي الانبياء وخليل الرحمن ، الذي كان محبا لله ، وكان محبوبا لله.
ولا أحد أحسن دينا ممن جعل قلبه سالما خالصا لله وحده ، لا يتوجه الى غيره في دعاء أو رجاء ، ولا يرى في هذا الوجود الا آثار صفات الله وسننه ، فلا يطلب الا من خزائن رحمته ، وهو مع ايمانه وتوحيده ، محسن في عمله ، متخلق بأخلاق الله الذي أحسن كل شيء خلقه.
والامام محمد عبده يقول ان العبرة عند الله بالقلوب والاعمال ، وملة إبراهيم الحنيفية هي الصفوة في اخلاص التوحيد واحسان العمل ، وعبر عن توجه القلب باسلام الوجه ، لأن الوجه أعظم مظهر لما في النفس من الاقبال والاعراض ، والسرور والكآبة ، وغير ذلك.
ويقول التنزيل الحكيم في سورة آل عمران :
«فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ» (٢).
والمقصود من الدين انما هو الوفاء بلوازم الربوبية ، فاذا أسلمت وجهي لله لا اعبد غيره ، ولا أتوقع الخير الا منه ، ولا أخاف الا من قهره وسطوته ، ولا أشرك به أحدا ، كان هذا هو تمام الوفاء بلوازم الربوبية والعبودية.
ويذكر الفخر الرازي في معنى اسلام الوجه لله ثلاثة أقوال :
__________________
(١) سورة النساء ، الآية ١٢٥.
(٢) سورة آل عمران ، الآية ٢٠.