ظهورهم ، حتى صارت جميع الامم تضرب المثل بظلم حكامهم وسوء حالهم ، وتفخر عليهم بالعدل.
ويقول التنزيل المجيد في سورة المائدة :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» (١).
كونوا قوامين بحق الله عليكم ، واشهدوا بالحق من غير ميل الى أقاربكم ، أو حيف على اعدائكم ، ولا يحملنكم البغض على الدخول في جريمة الظلم ، لأن كراهيتكم لبعض الناس قد تؤدي بكم الى ترك العدل ، مع أن كفر الكافر لا يمنع العدل معه. والرسول عليه الصلاة والسّلام يقول : «أد الامانة الى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك».
ويعود «تفسير المنار» ليبين ان الشهادة بالقسط معروفة ، وهي أن تكون بالعدل ، دون محاباة مشهود له ، ولا مشهود عليه ، لا لقرابته وولائه ، ولا لماله وجاهه ، ولا لفقره ومسكنته ، فالشهادة هنا عبارة عن اظهار الحق للحاكم ليحكم به ، أو اظهاره هو اياه بالحكم به ، أو الاقرار به لصاحبه.
والقسط هو ميزان الحقوق ، متى وقعت فيه المحاباة والجور لأي سبب أو علة من العلل ، زالت الثقة من الناس ، وانتشرت المفاسد وضروب العدوان بينهم ، وتقطعت روابطهم الاجتماعية ، وصار بأسهم بينهم شديدا ، فلا يلبثون أن يسلط الله عليهم بعض عباده الذين هم أقرب الى اقامة العدل
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية ٨.