والشهادة بالقسط منهم ، فيزيلون استقلالهم ، ويذيقونهم وبالهم ، وتلك سنة الله التي شهدناها في الامم الحاضرة ، وشهد بها تاريخ الامم الغابرة ، ولكن الجاهلين الغافلين لا يسمعون ولا يبصرون ، فأنى يعتبرون ويتعظون.
ويقول الله عز شأنه في سورة النساء :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» (١).
أي ليتكرر منكم القيام بالقسط ، في شهادتكم على أنفسكم ، ثم ذكر الوالدين لوجوب برهما وعظم قدرهما ، ثم ثنى بالاقربين اذ هم مظنة المودة والتعصب ، فكان الاجنبي من الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه ، وقوله : شهداء لله ، أي لذات الله ولوجهه ، ولمرضاته وثوابه ، دون ميل أو اتباع للهوى فانه مهلك.
ويقول القرآن الحكيم في سورة الانعام :
«وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ» (٢).
بينت كلمة القسط أن الايفاء يجب أن يكون من الجانبين ، أي أوفوا مقسطين أو ملابسين للقسط ، وهذا يقتضي طرفين يقسط بينهما ، فدل على أن الانسان يجب عليه أن يرضى لغيره ما يرضاه لنفسه.
ويذكر القرطبي أن الايفاء يكون بالاعتدال في الاخذ والعطاء ، عند البيع والشراء ، في حدود الطاقة وقدرة البشر ، وما لا يمكن التحرز عنه من تفاوت بين الكيلين ، ولا يدخل تحت قدرة البشر فمعفو عنه.
__________________
(١) سورة النساء ، الآية ١٣٥.
(٢) سورة الانعام ، الآية ١٥٢.