وقال بعض العلماء : لما علم الله سبحانه من عباده أن كثيرا منهم تضيق نفسه عن أن تطيب للغير بما لا يجب عليها أمر المعطي بايفاء رب الحق الذي هو له ، ولم يكلفه الزيادة عليه من ضيق نفسه بها ، وأمر صاحب الحق بأخذ حقه ، ولم يكلفه الرضى بأقل منه ، لما في النقصان من ضيق نفسه.
وفي موطأ مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه قال : ما ظهر الغلول في قوم قط الا ألقى الله في قلوبهم الرعب ، ولا نشأ الزنى في قوم الا كثر فيهم الموت ، ولا نقص قوم المكيال والميزان الا قطع عنهم الرزق ، ولا حكم قوم بغير الحق الا نشأ فيهم الدم ، ولا حقّر قوم بالعهد الا سلط عليهم الله العدو.
وقد أكد رسول الله شعيب هذه الدعوة الى قومه أهل مدين ، فقال القرآن المجيد على لسانه في سورة هود : «يا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط».
ويقول الله تعالى في سورة آل عمران :
«إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ» (١).
ذكر بعض المفسرين أن ناسا من بني اسرائيل جاءهم النبيون يدعونهم الى الله عزوجل فقتلوهم ، فقام أناس من بعدهم من المؤمنين يأمرونهم بالاسلام فقتلوهم ، فنزلت الآية.
وقد روي عن ابن مسعود قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم :
«بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط بين الناس ، بئس القوم
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ٢١.