قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، بئس القوم قوم يمشي المؤمن بينهم بالتقية».
ويذكر تفسير المنار أن الذين يأمرون بالقسط هم الحكماء الذين يرشدون الناس الى العدالة العامة في كل شيء ويجعلونها روح الفضائل وقوامها ، ومرتبتهم في الهداية والارشاد تلي مرتبة الانبياء ، وأثرهم في ذلك يلي أثرهم ، ذلك أن جميع طبقات الناس تنتفع بهدي الانبياء ، كل صنف بقدر استعداده ، وأما الحكماء فلا ينتفع بهم الا بعض الخواص المستعدين لتلقي الفلسفة.
ألم تر كيف اصطلم التوحيد وثنية العرب في مدة قليلة بدعوة النبي عليه الصلاة والسّلام ، وكيف عجزت دعوة فلاسفة اليونان الى التوحيد عن مثل ذلك أو ما يقاربه ، فلم يستجب لهم فيها في الزمن الطويل الا قليل من طلاب الفلسفة.
ذلك بأن دعوة النبي على ما تختص به من التأييد الالهي ، وتأثير روح الوحي ، لها ثلاثة مظاهر بينها الله تعالى في قوله :
«ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ، وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (١).
فالحكمة ما يدعى به العقلاء وأهل النظر من البراهين والحجج ، والموعظة الحسنة ما يدعى به العوام السذج ، والجدل بالتي هي أحسن للمتوسطين الذين لم يرتقوا الى الاستعداد لطلب الحكمة ولا ينقادون الى الموعظة بسهولة ، بل يبحثون بحثا ناقصا ، فلا بد من الحسنى في مجادلتهم ومخاطبتهم على قدر عقولهم.
__________________
(١) سورة النحل ، الآية ١٢٥.