قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ» (١).
والمعنى ـ كما في تفسير المنار ـ أن أولئك الانبياء هم الذين هداهم الله الهداية الكاملة ، فبهداهم دون غيره ، اقتد أيها الرسول ، فيما يتناوله كسبك وعملك ، مما بعثتك به : من تبليغ الدعوة ، واقامة الحجة ، والصبر على التكذيب والجحود ، وعلى ايذاء أهل العناد والجحود ، ومقلدة الآباء والجدود ، واعطاء كل حال حقها من مكارم الاخلاق وأحاسن الاعمال ، كالصبر والشكر ، والشجاعة والحلم ، والايثار والزهد ، والسخاء والبذل ، والحكم بالعدل ...
... وانما أمره الله أن يقتدي بهداهم الذي هداهم اليه في سيرتهم ، سواء ما كان منه مشتركا بينهم ، وما امتاز به في الكمال بعضهم ، كما امتاز نوح وابراهيم وآل داود بالشكر ، ويوسف وأيوب واسماعيل بالصبر ، وزكريا ويحيى وعيسى والياس بالقناعة والزهد ، وموسى وهارون بالشجاعة وشدة العزيمة في النهوض بالحق ، فالله تعالى قد هدى كلّ نبي ، ورفعه درجات في الكمال ، وجعل درجات بعضهم فوق بعض ، ثم أوحى الى خاتم رسله خلاصة سير أشهرهم وأفضلهم ، وهم المذكورون في القرآن الكريم ، وأمره أن يقتدي بهم في هداهم ، وهذه هي الحكمة العليا لذكر قصصهم في كتاب الله تعالى ، وقد قرر الحق جل جلاله أن القرآن المجيد قد جاء بالحق وصدق المرسلين ، وأن الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يكن بدعا من الرسل ، فعلمنا من هذا أنه عليه الصلاة والسّلام كان مهتديا بهداهم كلهم ، وبهذا كانت فضائله ومناقبه الكسبية أعلى من جميع مناقبهم وفضائلهم ، لأنه اهتدى بها كلها ، فاجتمع له من الكمال ما كان متفرقا فيهم ، الى ما هو خاص به دونهم ، ولذلك شهد الله
__________________
(١) سورة الانعام ، الآية ٨٩ و ٩٠.