وفي استسلام ابراهيم وانابته ، يعود فيقرر الاسوة ويكررها ، مع لمسة جديدة لقلوب المؤمنين :
«لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» (١).
فالاسوة في ابراهيم والذين معه متحققة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ، هؤلاء الذين يدركون قيمة التجربة التي عاناها هذا الرهط الكريم ، ويجدون فيها أسوة تتبع ، وسابقة تهدى ، فمن كان يرجو الله واليوم الآخر فليتخذ منها أسوة ، وهو تلميح موح للحاضرين من المؤمنين.
فأما من يريد أن يتولى عن هذا المنهج ، من يريد أن يحيد عن طريق القافلة ، من يريد أن ينسلخ من هذا النسب العريق ، فما بالله من حاجة اليه سبحانه :
«فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ».
وقد كرر القرآن ذكر الاسوة في ابراهيم للتأكيد ، والمراد بالذين معه قد يكون الانبياء ، أو أصحابه المؤمنين ، أو اتباعه الذين آمنوا ، وكلهم خيار ، فيهم قدوة طيبة في التبرؤ من الكفر والاشراك.
وفي سورة الانعام يذكر الحق تبارك وتعالى طائفة من الانبياء والمرسلين ، ثم يقول عنهم :
«أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ، فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ ، أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ،
__________________
(١) سورة الممتحنة ، الآية ٦.