بالكمال ، الى أن تبلغ المقام الذي تجد فيه سعادتها ، وانما كانت هذه الخطة هي «اليسرى» والاسهل لتوافر الدواعي اليها ، وكثرة البواعث عليها ، فالانسان يمتاز عن غيره من سائر الحيوان الاعجم بالتفكير في الاعمال ، وتقدير ثمراتها ، ووزن نتائجها.
وحاجة كل انسان الى أن يعينه غيره حاجة ظاهرة كذلك بالفطرة ، فاحساسه بحاجة غيره ، واندفاعه الى سدها ، مما تنبه الفطرة الى تجنب الاذى لمن لم يؤذه ، وأن يحذر اتيان أي شيء من القبائح لظهور اضرارها بالناس ، فهو مدفوع الى ذلك كله بفطرته الانسانية.
لكنه يحتاج ـ للاستقامة على هذه الطريقة ـ الى صحة عقل ينظر بنفسه فيما يختار ، ويميز بنظره بين ما ينبغي اتباعه ، وما يجب تجنبه ، فاذا حقق الانسان ذلك ، وظهرت آثاره في أعماله ، سهل الله تعالى له ما هو مسوق اليه بأصل فطرته ، وهو تكميل نفسه لتسعد بمزاياها في الدنيا والآخرة ، لأن سنة الله جارية في الخلق بأن كل عمل من الاعمال التي يعملها العاقل. يفتح له باب بصيرة في نوع ذلك العمل ، ويكون مبدأ عادة للنفس ، تأنس بملابستها ، ففاعل الخير للخير يذوق لذته ، ويجد حلاوته ، فتزيد فيه رغبته ، وتشتد اليه عزيمته ، وهذا من تيسير الله سبحانه على عباده.
ويفسر القشيري هذا النص الكريم بما خلاصته : من أعطى من ماله ، واتقى مخالفة ربه ومساخطه ، وصدق بالجنة ، والمغفرة ، والشفاعة ، فانا نسهل عليه الطاعات ، ونكرّه اليه المخالفات ، ونزين له القربات ، ونحبب اليه الايمان ، ونجمّل في قلبه الاحسان.
واذا كنا قد عرفنا أن الله جل جلاله قد قال لرسوله عليه الصلاة والسّلام : «ونيسرك لليسرى» فهذه بشرى عظيمة ، ليست مقصورة على الرسول ، بل تشمل أتباعه من ورائه ، اذ تبشرهم بأن دينهم دين يسر ، وأن