عباس رضي الله عنهما ، كيف يتجه بكليته الى ربه ، لا يسأل غيره ، ولا يستعين بسواه ، فالامر بيده ، له الحكم واليه فيقول له :
«يا غلام ، اني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، واذا سألت فاسأل الله ، واذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الامة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الاقلام ، وجفت الصحف».
* * *
وحينما وقف رسول الله عليه الصلاة والسّلام وقفته الخالدة الماجدة في وجه الشرك والكفران ، يتحدى أهل الطغيان والجبروت ، وهو في قلة من اتباعه والمؤمنين به ، يقول لهم في عزم وتحد وتصميم : «والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الامر (وهو الدعوة الى الله ، لتعلو كلمة التوحيد ، ويتحقق توحيد الكلمة) ما تركته ، حتى يظهره الله ، أو أهلك دونه».
حينما وقف رسول الله هذا الموقف العازم الصارم الحاسم ، هذا مثلا أعلى في الاحتساب لوجه الله ، وطلب الثواب والجزاء من الله وحده ولقد عرضوا عليه المال والجمال ، والجاه والمنصب ، فتعالى عن كل غرض وعرض ، وأخلص لله سعيه ، واحتسب عند الله نضاله ، ولم يرتج على ذلك من الناس جزاء ولا شكورا ، فحسبه ربه ناصرا وجازيا ونصيرا ، ولا عجب في ذلك ، فربه تبارك وتعالى هو الذي صنعه على عينه ، وهو الذي أدبه وهذبه ، وهو الذي أيده وعصمه ، وهو الذي قال له في ختام سورة التوبة :
«فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، عَلَيْهِ