معرفة الله لا الى الله (هكذا).
فمن آثر العبادة لنفس العبادة ، أو لطلب الثواب ، أو ليصير متعبد كاملا بتلك العبودية ، فهو متبتل الى غير الله!!.
ومن آثر العرفان للعرفان فهو متبتل الى العرفان ، ومن آثر العبودية لا للعبودية بل للمعبود ، وآثر العرفان لا للعرفان بل للمعروف ، فقد خاض لجة الوصول.
وهذا مقام لا يشرحه المقال ، ولا يعبر عنه الخيال.
ومن أراد فليكن من الواصلين الى العين ، دون السامعين للاثر ، ولا يجد الانسان لهذا مثالا الا عند العشق الشديد اذا مرض البدن بسببه ، وانحبست القوى ، وعميت العينان ، وزالت الاغراض بالكلية ، وانقطعت النفس عما سوى المعشوق بالكلية ، فهناك يظهر الفرق بين التبتل الى المعشوق ، وبين التبتل الى رؤية المعشوق.
المسألة الثانية : الواجب أن يقال : وتبتل اليه تبتيلا. أو يقال : بتّل نفسك اليه تبتيلا ، لكنه تعالى لم يذكرهما. واختار هذه العبارة الدقيقة ، وهي أن المقصود بالذات هو التبتل ، فأما التبتيل فهو تصرف ، والمشتغل بالتصرف لا يكون متبتلا الى الله ، لأن المشتغل بغير الله لا يكون منقطعا الى الله ، الا أنه لا بد أولا من التبتيل حتى يحصل التبتل ، كما قال تعالى :
«وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا».
فذكر التبتل أولا اشعارا بأنه المقصود بالذات ، وذكر التبتل ثانيا اشعارا بأنه لا بد منه ، ولكنه مقصود بالعرض».
ولقد تعرض غير الرازي للاستفهام التالي : لماذا قالت الآية الكريمة : «وتبتل اليه تبتيلا» ولم يقل : وتبتل اليه تبتلا ، مع أن مصدر «بتّل» ـ بتشديد التاء ـ هو : التبتل ، مثل التعلم والتفهم؟.