اشارة الى القهارية والعزة والعلو والصمدية ، ولا يزال العبد يبقى في هذا المقام مترددا في مقامات الجلال والتنزيه والتقديس ، الى أن ينتقل منها الى مقام الهوية الاحدية ، التي كلّت العبارات عن شرحها ، وتقاصرت الاشارات عن الانتهاء اليها ، وهناك الانتهاء الى الواحد الحق ، ثم يقف لأنه ليس هناك نظير في الصفات ، حتى يحصل الانتقال من صفة الى صفة ، ولا أن تكون الهوية مركبة حتى يتنقل نظر العقل من جزء الى جزء ، ولا أنها مناسبة لشيء من الاحوال المدركة من النفس حتى تعرف على سبيل المقايسة ، فهي الظاهرة لأنها مبدأ ظهور كل ظاهر ، وهي الباطنة لأنها فوق عقول كل المخلوقات ، فسبحان من احتجب عن العقول بشدة ظهوره ، واختفى عنها بكمال نوره.
وأما قوله تعالى : «وتبتل اليه تبتيلا» ففيه مسألتان :
المسألة الاولى : اعلم أن جميع المفسرين فسروا التبتل بالاخلاص ، وأصل البتل في اللغة القطع ، وقيل لمريم : البتول ، لأنها انقطعت الى الله تعالى في العبادة ، وصدقة بتلة : منقطعة من مال صاحبها.
وقال الليث : التبتل تمييز الشيء عن الشيء.
والبتول كل امرأة تنقبض عن الرجال ، لا رغبة لها فيهم.
اذا عرفت هذا فاعلم أن للمفسرين عبارات :
قال الفراء : يقال للعابد اذا ترك كل شيء ، وأقبل على العبادة : قد تبتل : أي انقطع عن كل شيء الى أمر الله وطاعته.
وقال زيد بن أسلم : التبتل رفض الدنيا مع كل ما فيها ، والتماس ما عند الله.
واعلم أن معنى الآية فوق ما قاله هؤلاء الظاهريون ، لان قوله : «وتبتل» أي انقطع عن كل ما سواه فالمشغول بطلب الآخرة غير متبتل الى