والتحريض المحض. وقد فسر السلف «دعوة الحق» بالتوحيد والاخلاص فيه والصدق ، ومرادهم هذا المعنى. فقال علي رضي الله عنه : «دعوة الحق التوحيد» ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : «شهادة أن لا اله الا الله».
وقيل الدعاء بالاخلاص ، والدعاء الخالص لا يكون الا لله ، ودعوة الحق دعوة الالهية وحقوقها وتجريدها واخلاصها».
* * *
والصوفية ـ كما ينقل صاحب مدارج السالكين عن الهروي ـ يقسمون التبتل بمعنى التجريد المحض الى ثلاثة أقسام ، أو ثلاث درجات :
الدرجة الاولى : تجريد الانقطاع عن الحظوظ والتطلع الى العالم بالخوف أو الرجاء ، لأن التبتل يجمع أمرين هما : الاتصال والانفصال ، والمراد بالانقطاع انقطاع قلب الانسان عن حظوظ النفس التي تزاحم مراد الرب منه ، فلا يلتفت قلبه الى غير الله ، خوفا منه أو رغبة فيه أو مبالاة به.
ويراد بالاتصال اتصال قلب المتبتل بالله ، واقباله عليه ، واقامة وجهه له بالحب والانابة والتوكل ، وذلك يوجد عن طريق الرضى بحكم الله وقسمته ، مع التسليم لله ، فلا يبقى في قلبه خوف من المخلوقين ، ولا مبالاة بهم في قليل أو كثير.
والدرجة الثانية : درجة الانقطاع عن النفس ، بمخالفة هواها ، وتنسم روح الانس بالله ، والتطلع الى فيض الله ورحمته ، وقد عبر عنها ابن القيم بهذه العبارة :
«الفرق بين هذه الدرجة والتي قبلها : أن الاولى انقطاع عن الخلق ، وهذه انقطاع عن النفس ، وجعله بثلاثة أشياء :