وفي نفوس الاخيار من العباد نزعة طيبة تدعوهم الى الاضافة الى الفرائض بما هو زائد عليها ، فهم لا يكتفون بما فرض الله عليهم ، أو بما ألزمهم به ، بل يضمون الى ذلك مزيدا يزيدون به فضلا من التقرب الى الله وابتغاء مرضاته ، لا على سبيل التزيد في الدين او الابتداع فيه ، أو الاضافة اليه ما ليس منه ، بل يتلمسون في ذلك معالم هداية جاءت في سنة الرسول وعمله ، تهيىء لهم فرصا لهذه الزيادة المباركة المقصود بها التنافس في مجالات الخير والبر : «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».
والناس ثلاثة أقسام : اما غافل مهمل لا يؤدي فرضا ولا نفلا ، وهذا شر العباد. واما متوسط يؤدي الفروض والواجبات ويكتفي بها ويقتصر عليها ، وهذا جدير بالنجاة من العذاب ، واما أنه يؤدي الفرائض ، ويتبعها بالسنن والنوافل وهذا خير الناس وأحقهم بفضل الله سبحانه.
ويظهر التطوع بنوع خاص في الجهاد ، وفي بذل المال ، وفي خدمة الناس بلا أجر ودون مقابل.
ولو تأملنا روح القرآن الكريم لادركنا أن «التطوع» خلق من أخلاق القرآن ، وصفة من صفات أهل الايمان ، وفضيلة من الفضائل التي أرشد اليها هدى الرسول عليه الصلاة والسّلام.
وقد جاءت مادة التطوع في أكثر من موطن من مواطن التنزيل الحكيم ، فالله تبارك وتعالى يقول في سورة البقرة :
«إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ» (١).
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ١٥٨.