وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً). استئناف مسوق لإحقاق الحق وإبطال الباطل. أى : إنما المستحق للعبادة والتعظيم هو الله ـ تعالى ـ وحده ، الذي وسع علمه كل شيء. ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد قصت علينا بأسلوب بليغ حكيم ، جوانب من رعاية الله ـ تعالى ـ لنبيه موسى ـ عليهالسلام ـ ورحمته به ، كما قصت علينا تلك المحاورات التي تمت بين موسى وفرعون ، وبين موسى والسحرة كما حدثتنا عن جانب من النعم التي أنعم الله ـ تعالى ـ بها على بنى إسرائيل ، وكيف أنهم قابلوها بالجحود والكنود وبإيذاء نبيهم موسى ـ عليهالسلام ـ.
ثم أشار ـ سبحانه ـ بعد ذلك إلى العبرة من قصص الأولين ، وإلى التنويه بشأن القرآن الكريم ، وإلى أن يوم القيامة آت لا ريب فيه ، فقال ـ تعالى ـ :
(كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً)(١٠٤)
والكاف في قوله ـ تعالى ـ : (كَذلِكَ) في محل نصب نعت لمصدر محذوف ، أى : نقص عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ من أنباء ما قد سبق من أحوال الأمم الماضية ، قصصا مثل ما قصصناه عليك عن موسى وهارون. وما دار بينهما وبين فرعون وبين بنى إسرائيل.
و (مِنْ) في قوله (مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) للتبعيض ، ويشهد لذلك أن القرآن قد صرح في كثير من آياته ، أن الله ـ تعالى ـ لم يقص على الرسول صلىاللهعليهوسلم جميع أحوال الأمم السابقة ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ