(وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى)(٩١)
وجملة : (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ ...) قسمية مؤكدة لما قبلها.
أى : والله لقد نصح هارون ـ عليهالسلام ـ عبدة العجل من قومه ، قبل رجوع موسى إليهم ، فقال لهم مستعطفا : (.. يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ ..) أى : يا قوم إن ضلالكم وكفركم إنما هو بسبب عبادتكم العجل ، فالضمير في (بِهِ) يعود إلى العجل.
(وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) هو وحده المستحق للعبادة والطاعة.
وجمع ـ سبحانه ـ بين لفظي الرب والرحمن ، لجذبهم نحو الحق ، واستمالتهم نحوه ، وللتنبيه على أنهم متى تابوا قبل الله توبتهم ، لأنه ـ سبحانه ـ هو الرحمن الرحيم.
والفاء في قوله : (فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
أى : وما دام الأمر كذلك فاتبعوني وأطيعوا أمرى ، في الثبات على الحق ، وفي نبذ عبادة العجل ، وفي المحافظة على ما عاهدكم عليه موسى ـ عليهالسلام ـ.
ولكن هذه النصيحة الحكيمة من هارون لهم لم تجد أذنا صاغية. بل قابلوا نصيحته لهم بالاستخفاف والتصميم على ما هم فيه من ضلال ، إذ قالوا في الرد عليه : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) أى : سنستمر على عبادة العجل ، وسنواظب على هذه العبادة مواظبة تامة (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) فنرى ماذا سيكون منه.
فهم لجهالاتهم وانطماس بصائرهم ، وسوء أدبهم ، يرون أن هارون ـ عليهالسلام ـ ليس أهلا للنصيحة والطاعة ، مع أنه قد خاطبهم بأحكم أسلوب ، وألطف منطق.
قال الرازي : واعلم أن هارون ـ عليهالسلام ـ سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه لأنه زجرهم عن الباطل ـ أولا ـ بقوله : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) ثم دعاهم إلى معرفة الله ـ ثانيا ـ بقوله : (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) ثم دعاهم ـ ثالثا ـ إلى معرفة النبوة بقوله : (فَاتَّبِعُونِي) ثم دعاهم ـ رابعا ـ إلى الشرائع بقوله : (وَأَطِيعُوا أَمْرِي).
وهذا هو الترتيب الجيد ، لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطه الأذى عن الطريق وهو إزالة الشبهات ، ثم معرفة الله ـ تعالى ـ هي الأصل ، ثم النبوة ، ثم الشريعة : فثبت أن هذا