الأرض مخضرة بعد أن كانت يابسة. وتسخير ما في الأرض للإنسان ، وتسخير الفلك لخدمته ومنفعته ، وإمساك السماء أن تقع على الأرض إلا بمشيئته ـ تعالى ـ وإيجادنا من العدم بقدرته ورحمته.
وبعد أن عرضت السورة الكريمة دلائل قدرة الله ـ تعالى ـ ورحمته بعباده أتبعت ذلك ببيان أنه ـ سبحانه ـ قد جعل لكل أمة شرعة ومنهاجا ، وأمرت النبي صلىاللهعليهوسلم أن يمضى في طريقه لتبليغ رسالة الله ـ تعالى ـ دون أن يلتفت إلى ممارات المشركين له ، وأن يفوض الحكم فيهم إليه ـ سبحانه ـ فهو العليم بكل شيء ، فقال ـ تعالى ـ :
(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (٧٠)
قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ ...) كلام مستأنف جيء به لزجر معاصريه صلىاللهعليهوسلم من أهل الأديان السماوية عن منازعته ، ببيان حال ما تمسكوا به من الشرائع ، وإظهار خطئهم (١).
والمراد بالأمة هنا : القوم الذين يدينون بشريعة معينة. والمراد بالمنسك المنهج والشريعة التي يتبعونها في عقيدتهم وفي معاملاتهم ...
أى : شرعنا لكل أمة من الأمم السابقة منهجا يسيرون عليه في اعتقادهم وفي طريقة حياتهم ، فالأمة التي وجدت من مبعث موسى الى مبعث عيسى ـ عليهماالسلام ـ شريعتها التوراة ، والأمة التي وجدت من مبعث عيسى حتى مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم شريعتها الإنجيل ، والأمة التي وجدت منذ مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم إلى يوم القيامة شريعتها القرآن.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ١٩٥.