وعلى كل أمة أدركت بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم أن تتبعه فيما جاء به من عند ربه ، لأن شريعته هي الشريعة الناسخة لما قبلها ، والمهيمنة عليها.
ويرى بعضهم أن المراد بالمنسك هنا : المكان الذي يذبحون فيه ذبائحهم تقربا إلى الله ـ تعالى ـ.
وقد رجح الإمام ابن جرير ذلك فقال ما ملخصه : وأصل المنسك في كلام العرب : الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه لخير أو شر. يقال : إن لفلان منسكا يعتاده ، يراد مكانا يغشاه ويألفه لخير أو شر. وقد اختلف أهل التأويل في معنى المنسك هنا ، فقيل : عيد ، وقيل : إراقة الدم .. والصواب من القول في ذلك أن يقال : عنى بذلك إراقة الدم أيام النحر بمنى ، لأن المناسك التي كان المشركون جادلوا فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانت إراقة الدم في هذه الأيام ... ولذلك قلنا : عنى بالمنسك في هذا الموضع : الذبح .. (١).
ويبدو لنا أن القول الأول ، وهو تفسير المنسك بالشريعة الخاصة أقرب إلى الصواب لشموله للذبح وغيره.
والضمير في قوله : (هُمْ ناسِكُوهُ) يعود لكل أمة.
أى : جعلنا لكل أمة شريعة تسير على تعاليمها ، وتنهج على نهجها ..
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) لترتيب النهى على ما قبلها.
والمنازعة : المجادلة والمخاصمة. والمراد بالأمر : ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم من عند ربه ـ تعالى ـ من تشريعات وأحكام.
أى : قد جعلنا لكل أمة من الأمم السابقة شريعة تتبع تعاليمها ، وما دام الأمر كذلك ، فاسلك أنت وأتباعك ـ أيها الرسول الكريم ـ الشريعة التي أوحيناها إليك ، وأمرناك باتباعها ، ولا تلتفت إلى مخاصمة من ينازعك في ذلك من اليهود أو النصارى أو غيرهم ، فإن منازعتهم لك فيما جئت به من عند ربك ، يدل على جهلهم وسوء تفكيرهم ، لأن ما جئت به من عند ربك مصدق لشريعتهم ، ومهيمن عليها وناسخ لها.
ثم أرشده ـ سبحانه ـ إلى ما يجب عليه نحو دينه فقال : (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ).
أى : وادع هؤلاء الذين ينازعونك فيما جئتهم به من الحق ، وأدع غيرهم معهم إلى ترك التنازع والتخاصم ، وإلى الدخول في دين الإسلام : فإنك أنت على الصراط المستقيم ، الذي
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٧ ص ١٣٨.