(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)(١٣)
قال ابن كثير ـ رحمهالله ـ : «لما ذكر ـ تعالى ـ حال الضلال الجهال المقلدين لغيرهم في الآية الثالثة من هذه السورة وهي قوله ـ سبحانه ـ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) ، ذكر في هذه حال الدعاة إلى الضلال من رءوس الكفر والبدع ، فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أى : بلا عقل صحيح. ولا نقل صحيح صريح بل بمجرد الرأى والهوى» (١).
ولعل مما يؤيد ما ذهب إليه ابن كثير من أن الآية الثالثة من هذه السورة في شأن المقلدين لغيرهم ، أنه ـ سبحانه ـ قال فيها في شأنهم : (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ).
أما في هذه الآية فقد قال في شأن هذا النوع من الناس : (ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ...) أى : ليضل غيره ويصرفه عن طاعة الله ـ تعالى ـ واتباع طريقه الحق.
وقد نفت الآية الكريمة عن هذا المجادل ، استناده إلى أى دليل أو ما يشبه الدليل ، فهو يجادل في ذات الله ـ تعالى ـ وفي صفاته «بغير علم» يستند إليه وبغير «هدى» يهديه
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٣٩٤.