ويرشده إلى الحق وبغير «كتاب منير» أى : وبغير وحى ينير عقله وقلبه ، ويوضح له سبيل الرشاد.
فأنت ترى أن الآية قد جردت هذا المجادل من أى مستند إليه في جداله سواء كان عقليا أم نقليا ، بل أثبتت له الجهالة من جميع الجهات.
ثم صورته السورة الكريمة بعد ذلك بتلك الصورة المزرية ، صورة الجاهل المغرور المتعجرف ، فقال ـ تعالى ـ : (ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
وقوله (ثانِيَ) من الثّنى بمعنى اللّىّ والميل عن الاستقامة. يقال : فلان ثنى الشيء إذا رد بعضه على بعض فانثنى أى : مال والتوى.
والعطف ـ بكسر العين ـ الجانب ، وهذا التعبير كناية عن غروره وصلفه مع جهله. أى : أنه مع جداله بدون علم ، متكبر معجب بنفسه ، معرض عن الحق ، مجتهد في إضلال غيره عن سبيل الله ـ تعالى ـ وعن الطريق الذي يوصل إلى الرشاد.
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة هذا الجاهل المغرور المضل لغيره فقال : و (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أى : هوان وذلة وصغار.
(وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) أى : ونجعله يوم القيامة يدرك طعم العذاب المحرق. ويصطلى به جزاء غروره وشموخه في الدنيا بغير حق.
وتقول له ملائكتنا وهي تصب عليه ألوان العذاب (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) أى : ذلك الذي تتذوقه من عذاب محرق سببه : جهلك وغرورك وإصرارك على الكفر ، وحرصك على إضلالك لغيرك.
وأسند ـ سبحانه ـ سبب ما نزل بهذا الكافر من خزي وعذاب إلى يديه ، لأنهما الجارحتان اللتان يزاول بهما أكثر الأعمال.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) بيان لعدله ـ تعالى ـ مع عباده ، أى : وأن الله ـ تعالى ـ ليس بذي ظلم لعباده أصلا ، حتى يعذبهم بدون ذنب ، بل هو عادل رحيم بهم ، ومن مظاهر عدله ورحمته أنه يضاعف الحسنات ، ويعاقب على السيئات ، ويعفو عن كثير من ذنوب عباده.
ثم بين ـ سبحانه ـ نوعا آخر من الناس ، لا يقل جرما عن سابقه فقال ـ تعالى ـ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ..).