وفي معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة منها قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللَّه لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ، وإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ويُؤْتِ مِنْ لَدُنْه أَجْراً عَظِيماً) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّه إِنَّ اللَّه لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (٢).
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت أولئك المشركين بجانب من نعم اللَّه ـ تعالى ـ عليهم ، وحضهم على التدبر والاتعاظ ، وأنذرتهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا في كفرهم وشركهم ، وصورت لهم دقة الحساب يوم القيامة ، وأن كل إنسان سيحاسب على عمله سواء أكان صغيرا أم كبيرا ، ولا يظلم ربك أحدا.
وبعد أن فصل ـ سبحانه ـ الحديث عن دلائل التوحيد والنبوة والمعاد ، ورد على المشركين ردا يفحمهم ، أتبع ذلك بالحديث عن قصص بعض الأنبياء تسلية للرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وتثبيتا لقلبه ، فقال ـ تعالى ـ :
(ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الْفُرْقانَ وضِياءً وذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناه أَفَأَنْتُمْ لَه مُنْكِرُونَ) (٥٠)
والمراد بالفرقان وبالضياء وبالذكر : التوراة ، فيكون الكلام من عطف الصفات. والمعنى : ولقد أعطينا موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ كتاب التوراة ليكون فارقا بين الحق والباطل ، وليكون ـ أيضا ـ ضياء يستضيء به أتباعه من ظلمات الكفر والضلالة ، وليكون ذكرا حسنا لهم ، وموعظة يتعظون بما اشتمل عليه من آداب وأحكام.
قال الآلوسي : «قوله ـ سبحانه ـ : (ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الْفُرْقانَ وضِياءً وذِكْراً ..).
نوع تفصيلي لما أجمل في قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ).
__________________
(١) سورة النساء الآية ٤٠.
(٢) سورة لقمان الآية ١٦.