وتصديره بالتوكيد القسمي لإظهار كمال الاعتناء بمضمونه.
والمراد بالفرقان : التوراة ، وكذا بالضياء والذكر. والعطف كما في قوله :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
وقيل : الفرقان هنا : النصر على الأعداء .. والضياء التوراة أو الشريعة. وعن الضحاك : أن الفرقان فرق البحر .. (١).
وخص المتقين بالذكر ، لأنهم هم الذين انتفعوا بما اشتمل عليه هذا الكتاب من هدايات.
وقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ..) صفة مدح للمتقين.
أي : آتينا موسى وهارون الكتاب الجامع لصفات الخير ليكون هداية للمتقين ، الذين من صفاتهم أنهم يخافون ربهم وهو غير مرئى لهم ، ويخشون عذابه في السر والعلانية (وهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) أي : وهم من الساعة وما يقع فيها من حساب دقيق خائفون وجلون وليسوا كأولئك الكافرين الجاحدين الذين يستعجلون حدوثها.
وخصت الساعة بالذكر مع أنها داخلة في الإيمان بالغيب ، للعناية بشأنها حيث إنها من أعظم المخلوقات ، وللردّ على من أنكرها واستعجل قيامها.
واسم الإشارة في قوله : (وهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناه) للقرآن الكريم ، أي : وهذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هو ذكر وشرف لكم ، وهو كذلك كثير الخيرات والبركات لمن اتبع توجيهاته.
والاستفهام في قوله : (أَفَأَنْتُمْ لَه مُنْكِرُونَ) للتوبيخ والإنكار ، والخطاب للمشركين.
أي : كيف تنكرون كونه من عند اللَّه مع أنكم بمقتضى فصاحتكم تدركون من بلاغته ، ما لا يدركه غيركم ، ومع أنكم تعترفون بنزول التوراة على موسى وهارون.
إن إنكاركم لكون القرآن من عند اللَّه ، لهو دليل واضح على جحودكم للحق بعد أن تبين لكم.
قال الجمل : وتقديم الجار والمجرور على المتعلق ، دل على التخصيص ، أي : أفأنتم للقرآن خاصة دون كتاب اليهود تنكرون؟ فإنهم كانوا يراجعون اليهود فيما عنّ لهم من المشكلات (٢).
ثم تسوق السورة بعد ذلك بشيء من التفصيل قصة إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع قومه ،
__________________
(١) تفسير الآلوسي ج ١٧ ص ٥٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١٣٢.