الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ..).
أي : ونحضر الموازين العادلة لمحاسبة الناس على أعمالهم يوم القيامة ولإعطاء كل واحد منهم ما يستحقه من ثواب أو عقاب ، دون أن يظلم ربك أحدا من خلقه.
(وإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وكَفى بِنا حاسِبِينَ) أي : وإن كانت الأعمال التي عملها الإنسان في الدنيا في نهاية الحقارة والقلة ، أتينا بها في صحيفة عمله لتوزن ، وكفى بنا عادّين ومحصين على الناس أعمالهم ، إذ لا يخفى علينا شيء منها سواء أكان قليلا أم كثيرا.
قال ابن كثير : قوله : (ونَضَعُ الْمَوازِينَ) الأكثر على أنه ميزان واحد ، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه (١).
وقال القرطبي : «الموازين : جمع ميزان ، فقيل : إنه يدل بظاهره على أن لكل مكلف ميزانا توزن به أعماله ، فتوضع الحسنات في كفة ، والسيئات في كفة. وقيل : يجوز أن يكون هناك موازين للعامل الواحد ، يوزن بكل ميزان منها صنف من أعماله .. وقيل : ذكر الميزان مثل وليس ثمّ ميزان وإنما هو العدل ، والذي وردت به الأخبار ، وعليه السواد الأعظم القول الأول. و» القسط «صفة الموازين ووحد لأنه مصدر .. (٢).
واللام في قوله (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) قيل للتوقيت. أي للدلالة على الوقت ، كقولهم : جاء فلان لخمس ليال بقين من الشهر. وقيل هي لام كي ، أي : لأجل يوم القيامة ، أو بمعنى في أي : في يوم القيامة.
وقوله ـ سبحانه ـ (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) بيان للعدل الإلهى ، وأنه ـ سبحانه ـ لا يظلم أحدا شيئا مما له أو عليه ، أي : فلا تظلم نفس شيئا من الظلم لا قليلا ولا كثيرا.
وقوله (وإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها) تصوير لدقة الحساب ، وعدم مغادرته لشيء من أعمال الناس ، إذ الخردل حب في غاية الصغر والدقة. ومثقال الشيء : وزنه.
وأنث الضمير في قوله «بها» وهو راجع إلى المضاف الذي هو «مثقال» وهو مذكر. لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه الذي هو «حبة من خردل».
وقوله ـ سبحانه ـ : (وكَفى بِنا حاسِبِينَ) بيان لإحاطة اللَّه ـ تعالى ـ : بعلم كل شيء. كما قال ـ تعالى ـ (إِنَّ اللَّه لا يَخْفى عَلَيْه شَيْءٌ فِي الأَرْضِ ولا فِي السَّماءِ) (٣).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٣٣٩.
(٢) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٢٩٤.
(٣) سورة آل عمران الآية ٥.