تغزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها ، ناقصة من أطرافها (١).
وهذان الرأيان مع وجاهتهما ، إلا أن الرأى الأول الذي ذهب إليه ابن كثير أكثر شمولا ، لأنه يتناول ما أصاب المكذبين للرسل السابقين من عقاب كما يشمل التهديد للمكذبين المعاصرين للعهد النبوي ، بأنهم إذا استمروا في طغيانهم فسيحل بهم ما حل بمن سبقوهم.
وهناك من يرى أن المراد بنقص الأرض من أطرافها : موت العلماء ، أو خرابها عند موت أهلها ، أو نقص الأنفس والثمرات .. ولكن هذه الآراء ليس معها ما يرجحها.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يوجه إلى هؤلاء المشركين إنذارا حاسما ، فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ..).
أى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : إنى بعد أن بينت لكم ما بينت من هدايات وإرشادات أنذركم عن طريق الوحى الصادق ، بأن الساعة آتية لا ريب فيها ، فلا تستعجلوا ذلك فكل آت قريب ، وسترون فيها ما ترون من أهوال وعذاب.
وقوله (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ) توبيخ لهم وتجهيل.
أى : ولا يسمع الصم دعاء من يدعوهم إلى ما ينفعهم ، ولا يلتفتون إلى إنذار من ينذرهم وذلك لكمال جهلهم ، وشدة عنادهم ، وانطماس بصائرهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم عند ما ينزل بهم شيء من العذاب فقال : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ).
أى : ولئن أصاب هؤلاء المشركين شيء قليل من عذاب ربك يا محمد. ليقولن على سبيل التفجع والتحسر وإظهار الخضوع : يا ويلنا ـ أى يا هلاكنا ـ إنا كنا ظالمين ، ولذلك نزل بنا هذا العذاب ، وفي هذا التعبير ألوان من المبالغات منها : ذكر المس الذي يكفى في تحققه إيصال ما ، ومنها : ما في النفح من النزارة والقلة ، يقال : نفح فلان فلانا نفحة ، إذا أعطاه شيئا قليلا ومنها. البناء الدال على المرة والواحدة كما يفيد ذلك التعبير بالنفحة. أى : نفحة واحدة من عذاب ربك ، والمقصود من الآية الكريمة بيان سرعة تأثر هؤلاء المشركين ، بأقل شيء من العذاب الذي كانوا يستعجلونه ، وأنهم إذا ما نزل بهم شيء منه ، أصيبوا بالهلع والجزع ، وتنادوا بالويل والثبور والاعتراف بالظلم وتجاوز الحدود.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظهرا من مظاهر عدله مع عباده يوم القيامة فقال : (وَنَضَعُ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٢٠.