أى : وترى ـ أيها العاقل ـ ببصرك الأرض يابسة لا نبات فيها ، فإذا ما أنزلنا عليها بقدرتنا الماء ، تحركت بسبب خروج النبات منها ، وانتفخت بسبب ما يتخللها من الماء والنبات ، وأنبتت بعد ذلك من كل صنف بهيج نضر حسن المنظر.
وشبيه بهذه الآية في أن إحياء الأرض بعد موتها دليل على إحياء الناس بعد موتهم ، بقدرة الله ـ تعالى ـ وإرادته ، قوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ، إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يدل على وحدانيته وقدرته فقال : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ ، وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ، وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
واسم الإشارة يعود إلى المذكور من خلق الإنسان وإحياء الأرض بعد موتها ..
أى : ذلك الذي ذكرناه لكم دليل واضح ، وبرهان قاطع ، على أن الله ـ تعالى ـ هو الإله الحق ، الذي يجب أن تخلصوا له العبادة والطاعة ، لأنه هو وحده الخالق لكل شيء ، ولأنه هو وحده الذي يعيد الموتى إلى الحياة ، ولأنه هو وحده الذي لا يعجزه شيء.
وخص ـ سبحانه ـ إحياء الموتى بالذكر ، مع أنه من جملة الأشياء المقدور عليها. للتصريح بما هو محل النزاع وهو البعث ، ولدحض شبه المنكرين له.
ثم أكد ـ سبحانه ـ ذلك تأكيدا دامغا فقال : (وَأَنَّ السَّاعَةَ) وما تشتمل عليه من حساب وثواب وعقاب (آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) أى : لا ريب ولا شك في إتيانها في الوقت الذي يريده الله ـ تعالى ـ.
(وَأَنَّ اللهَ) ـ تعالى ـ وحده (يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ليحاسبهم على أعمالهم.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت أعظم الأدلة وأوضحها على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ، وعلى أن البعث حق وصدق وأنه آت لا ريب فيه.
ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك نموذجين لصنفين من الناس ، أحدهما : متكبر مغرور ، والآخر مذبذب لا ثبات له في عقيدة فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) سورة فصلت الآية ٣٩.