فقال بنو إسرائيل عند ما رأوا العجل الذي صنعه لهم السامري : هذا إلهكم وإله موسى فاعبدوه ، لأن موسى نسى إلهه هنا ، وذهب ليبحث عنه في مكان آخر ، فالضمير في قوله (فَنَسِيَ) يعود لموسى.
وقولهم هذا يدل على بلادتهم وسوء أدبهم مع نبيهم ، فهم لم يكتفوا بعبادة العجل ، بل زعموا أن نبيهم الداعي لهم إلى توحيد الله ، قد كان يعبد العجل وأنه قد نسى مكانه فذهب يبحث عنه.
وقيل : إن الذي حدث منه النسيان هو السامري ، وأن النسيان بمعنى الترك ، أى : فترك السامري ما كان عليه من الإيمان الظاهري ، ونبذ الدين الذي بعث الله ـ تعالى ـ به موسى ، وحض الناس على عبادة العجل الذي صنعه لهم.
والقول الأول أرجح ، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة ، ولأنه هو المأثور عن السلف.
قال ابن جرير : «وأولى الأقوال بالصواب عندنا أن يكون (فَنَسِيَ) خبرا من الله ـ تعالى ـ عن السامري ، وأنه وصف موسى بأنه نسى ربه ، وأن ربه الذي ذهب يريده هو العجل الذي أخرجه السامري ، لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه ، ولأنه عقيب ذكر موسى ، وهو أن يكون خبرا من السامري عنه بذلك أشبه من غيره» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً ، وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) تقريع لهم على جهلهم وغبائهم وسوء أدبهم.
والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، أى : أبلغ عمى البصيرة عند هؤلاء السفهاء أنهم لم يفطنوا إلى أن هذا العجل الذي اتخذوه إلها ، لا يستطيع أن يجيبهم إذا سألوه أو خاطبوه ، ولا يرد عليهم قولا يقولونه له ، ولا يملك لهم شيئا لا من الضر ولا من النفع.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ، اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ موقف هارون ـ عليهالسلام ـ من هؤلاء الجاهلين الذين عبدوا العجل ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٦ ص ١٤٨.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٤٨.