ما أخلفنا موعدك فعبدنا العجل بأمرنا وطاقتنا واختيارنا ، فقد كان الحال أكبر من أن يدخل تحت سلطاننا ، ولو خلينا بيننا وبين أنفسنا ولم يسول لنا السامري ما سول لبقينا على العهد الذي عاهدناك عليه ، وهو أن نعبد الله ـ تعالى ـ وحده.
وقوله : (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) حكاية لبقية ما قالوه من أعذر قبيحة.
ولفظ : «حملنا» قرأه ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم ـ بضم الحاء وتشديد الميم ـ على أنه فعل ونائب فاعل ، وقرأه الباقون ـ بفتح الحاء والميم ـ على أنه فعل وفاعل.
قال الآلوسى ما ملخصه : والمراد بالقوم : القبط ، وبالأوزار : الأحمال وتسمى بها الآثام ، وقصدوا بذلك ما استعاروه من القبط من الحلي في عيد لهم قبل الخروج من مصر ، وقيل : استعاروه باسم العرس. وقيل : هي ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا وهم فرعون وجنوده فأخذ بنو إسرائيل ذلك على أنه غنيمة مع أنها غنيمة مع أنها لم تكن حلالا لهم (١).
أى : قال بنو إسرائيل لموسى : ما أخلفنا عهدك بأمرنا ولكنا حملنا أثقالا وأحمالا من زينة القبط التي أخذناها منهم بدون حق (فَقَذَفْناها) في النار بتوجيه من السامري ، (فَكَذلِكَ) أى : فكما ألقينا ما معنا (أَلْقَى السَّامِرِيُ) ما معه من تلك الزينة.
قال ابن كثير : وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط ، فألقوها عنهم ، فعبدوا العجل ، فتورعوا عن الحقير ، وفعلوا الأمر الكبير .. (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما صنعه لهم السامري من تلك الحلي فقال : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ).
والخوار : الصوت المسموع.
أى : فكانت نتيجة ما قذفوه من الحلي في النار ، أن أخرج السامري لهم من ذلك (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) أى : صوت كصوت البقر.
قيل : إن الله ـ تعالى ـ خلق الحياة في ذلك العجل على سبيل الاختبار والامتحان لهم.
وقيل : لم تكن به حياة ، ولكن السامري صنعه لهم بدقة ، وجعل فيه منافذ إذا دخلت فيها الريح أخرجت منه صوتا كصوت خوار البقر.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ٢٤٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٣٠٤.