والمعنى فرجع موسى إلى قومه ـ بعد مناجاته لربه وبعد تلقيه التوراة حالة كونه (غَضْبانَ أَسِفاً) أى : غضبان شديد الغضب.
فالمراد بالأسف شدة الغضب ، وقيل المراد به الحزن والجزع.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما قاله موسى لقومه بعد رجوعه إليهم فقال : (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً ..).
أى : قال لهم على سبيل الزجر والتوبيخ يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا لا سبيل لكم إلى إنكاره ، ومن هذا الوعد الحسن : إنزال التوراة لهدايتكم وسعادتكم ، وإهلاك عدوكم أمام أعينكم. فلما ذا أعرضتهم عن عبادته وطاعته مع أنكم تعيشون في خيره ورزقه ..؟.
ثم زاد في تأنيبهم وفي الإنكار عليهم فقال : (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي).
فالاستفهام في قوله (أَفَطالَ ..) للنفي والإنكار و (أَمْ) منقطعة بمعنى بل.
والمعنى : أفطال عليكم الزمان الذي فارقتكم فيه؟ لا إنه لم يطل حتى تنسوا ما أمرتكم به ، بل إنكم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم ، فأخلفتم موعدي الذي وعدتمونى إياه وهو أن تثبتوا على إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ.
ومعنى إرادتهم حلول الغضب عليهم ، أنهم فعلوا ما يستوجب ذلك وهو طاعتهم للسامري في عبادتهم للعجل.
قال ابن جرير : كان إخلافهم موعده : عكوفهم على عبادة العجل ، وتركهم السير على أثر موسى للموعد الذي كان الله وعدهم ، وقولهم لهارون إذ نهاهم عن عبادة العجل ودعاهم إلى السير معه في أثر موسى : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ معاذيرهم الواهية التي تدل على بلادة عقولهم ، وانتكاس أفكارهم ، وتفاهة شخصيتهم فقال ـ تعالى ـ : (قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا ..).
وقوله (بِمَلْكِنا) قرأه نافع وعاصم ـ بفتح الميم وسكون اللام ـ أى : بأمرنا. وقرأه حمزة والكسائي (بِمَلْكِنا) بكسر الميم وسكون اللام ـ أى : بطاقتنا : وقرأه الباقون ـ بضم الميم وسكون اللام ـ أى : بسلطاننا ، وهو مصدر مضاف لفاعله ومفعوله محذوف ، أى : بملكنا أمرنا.
أى : قال بنو إسرائيل لنبيهم موسى على سبيل الاعتذار الذي هو أقبح من ذنب :
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٦ ص ١٤٦.