ـ تعالى ـ : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (١) ويجوز أن يثنى ويؤنث ، ولما كان كل خصم فريقا يجمع طوائف قال : (اخْتَصَمُوا) بصيغة الجمع كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) فالجمع مراعاة للمعنى (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ ...) تفصيل وبيان لحال كل خصم وفريق.
أى : فالذين كفروا جزاؤهم أنهم قطع الله ـ تعالى ـ لهم من النار ثيابا ، وألبسهم إياها.
قال الآلوسى : أى أعد الله لهم ذلك ، وكأنه شبه إعداد النار المحيطة بهم بتقطيع ثياب وتفصيلها لهم على قدر جثثهم. ففي الكلام استعارة تمثيلية تهكمية ، وليس هناك تقطيع ثياب ولا ثياب حقيقة. وكأن جمع الثياب للإيذان بتراكم النار المحيطة بهم ، وكون بعضها فوق بعض .. وعبر بالماضي ، لأن الإعداد قد وقع ، فليس من التعبير بالماضي لتحققه .. (٣).
وقوله : (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) زيادة في عذابهم ، أى : لم تقطع لهم ثياب من نار فحسب ، وإنما زيادة على ذلك يصب من فوق رءوسهم «الحميم» أى : الماء البالغ أقصى درجات الشدة في الحرارة.
وقوله : (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) بيان للآثار التي تترتب على هذا العذاب.
والفعل «يصهر» مأخوذ من الصهر بمعنى الإذابة. يقال : صهر فلان الشحم يصهره إذا أذابه.
أى : فذلك الحميم الذي يصب من فوق رءوسهم من آثاره أنه يذاب به ما في بطونهم من الشحوم والأحشاء. كما تذاب به جلودهم ـ أيضا ـ فقوله : (وَالْجُلُودُ) عطف على (ما) الموصولة في قوله (ما فِي بُطُونِهِمْ) أى : يذاب به الذي في بطونهم وتذاب به أيضا جلودهم.
وقيل : إن لفظ الجلود مرفوع بفعل محذوف معطوف على «يصهر».
والتقدير : يصهر به ما في بطونهم من أحشاء وشحوم ، وتحرق به الجلود. قالوا : وذلك لأن الجلود لا تذاب وإنما تنقبض وتنكمش إذا أصليت بالنار.
والضمير في قوله ـ سبحانه ـ : (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) يعود إلى الكفرة المعذبين بهذا الحميم الذي تصهر به البطون.
__________________
(١) سورة ص الآية ٢١.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١٥٩.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ١٣٤.