عن ابن عباس في قوله : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) قال : هم المؤمنون لا يسرفون فينفقوا في معصية الله ، ولا يقترون فيمنعوا حقوق الله.
(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً (٧١) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧))
قوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) لما فرغ من ذكر إتيانهم بالطاعات شرع في بيان اجتنابهم للمعاصي فقال : والذين لا يدعون مع الله سبحانه ربا من الأرباب. والمعنى : لا يشركون به شيئا ، بل يوحدونه ويخلصون له العبادة والدعوة (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) أي : حرّم قتلها (إِلَّا بِالْحَقِ) أي : بما يحقّ أن تقتل به النفوس ، من كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس (وَلا يَزْنُونَ) أي : يستحلون الفروج المحرّمة بغير نكاح ، ولا ملك يمين (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي : شيئا مما ذكر (يَلْقَ) في الآخرة (أَثاماً) والأثام في كلام العرب : العقاب. قال الفراء : آثمه الله يؤثمه أثاما وآثاما ، أي : جازاه جزاء الإثم. وقال عكرمة ومجاهد : إن أثاما واد في جهنم جعله الله عقابا للكفرة. وقال السدّي : جبل فيها. وقرئ «يلقّ» بضم الياء وتشديد القاف. قال أبو مسلم : والأثام والإثم واحد ، والمراد هنا جزاء الآثام فأطلق اسم الشيء على جزائه. وقرأ الحسن يلق أياما جمع يوم : يعني شدائد ، والعرب تعبر عن ذلك بالأيام ، وما أظن هذه القراءة تصح عنه (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي (يُضاعَفْ) ، و (يَخْلُدْ) بالجزم ، وقرأ ابن كثير «يضعف» بتشديد العين وطرح الألف والجزم ، وقرأ طلحة ابن سليمان «نضعّف» بضم النون وكسر العين المشدّدة والجزم ، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بالرفع في الفعلين على الاستئناف. وقرأ طلحة بن سليمان «وتخلد» بالفوقية خطابا للكافر. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ (وَيَخْلُدْ) بضم الياء التحتية وفتح اللام. قال أبو عليّ الفارسي : وهي غلط من جهة الرواية ، ووجه الجزم في يضاعف : أنه بدل من يلق لاتحادهما في المعنى ، ومثله قول الشاعر :
إنّ عليّ الله أن تبايعا |
|
تؤخذ كرها أو تجيء طائعا |
والضمير في قوله : (وَيَخْلُدْ فِيهِ) راجع إلى العذاب المضاعف ، أي : يخلد في العذاب المضاعف