معناه السلب ، فالتقريع إزالة الفزع. وقرأ الحسن مثل قراءة الجمهور إلا أنه خفف الزاي. قال قطرب : معنى فزّع عن قلوبهم أخرج ما فيها من الفزع ، وهو الخوف. وقال مجاهد : كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة. والمعنى : أن الشفاعة لا تكون من أحد من هؤلاء المعبودين من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام ، إلا أن الله سبحانه يأذن للملائكة ، والأنبياء ، ونحوهم في الشفاعة لمن يستحقها ، وهم على غاية الفزع من الله كما قال تعالى : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) فإذا أذن لهم في الشفاعة فزعوا لما يقترن بتلك الحالة من الأمر الهائل ، والخوف الشديد من أن يحدث شيء من أقدار الله ، فإذا سرّى عليهم (قالُوا) للملائكة فوقهم ، وهم الذين يوردون عليهم الوحي بالإذن (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) أي : ماذا أمر به ، فيقولون لهم قال : القول (الْحَقَ) وهو قبول شفاعتكم للمستحقين لها دون غيرهم (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) فله أن يحكم في عباده بما يشاء ، ويفعل ما يريد ، وقيل : هذا الفزع يكون للملائكة في كلّ أمر يأمر به الربّ. والمعنى : لا تنفع الشفاعة إلا من الملائكة الذين هم فزعون اليوم مطيعون لله ، دون الجمادات والشياطين ، وقيل : إن الذين يقولون : ماذا قال ربكم هم المشفوع لهم ، والذين أجابوهم : هم الشفعاء من الملائكة والأنبياء. وقال الحسن ، وابن زيد ، ومجاهد : معنى الآية : حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين في الآخرة. قالت لهم الملائكة : ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا الحقّ ، فأقرّوا حين لا ينفعهم الإقرار. وقرأ ابن عمر وقتادة : فرغ بالراء المهملة والغين المعجمة من الفراغ. والمعنى : فرغ الله قلوبهم ، أي : كشف عنها الخوف. وقرأ ابن مسعود (افرنقع) بعد الفاء راء مهملة ثم نون ثم قاف ثم عين مهملة من الافرنقاع : وهو التفرّق. ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يبكت المشركين ويوبخهم فقال : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : من ينعم عليكم بهذه الأرزاق التي تتمتعون بها ، فإن آلهتكم لا يملكون مثقال ذرة ، والرزق من السماء : هو المطر وما ينتفع به منها : من الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والرزق من الأرض : هو النبات ، والمعادن ، ونحو ذلك ، ولما كان الكفار لا يقدرون على جواب هذا الاستفهام ، ولم تقبل عقولهم نسبة هذا الرزق إلى آلهتهم ، وربما يتوقفون في نسبته إلى الله مخافة أن تقوم عليهم الحجة ، فأمر الله رسوله بأن يجيب عن ذلك فقال : (قُلِ اللهُ) أي : هو الذي يرزقكم من السموات والأرض ، ثم أمره سبحانه أن يخبرهم بأنهم على ضلالة ، لكن على وجه الإنصاف في الحجة بعد ما سبق تقرير من هو على الهدى ومن هو على الضلالة ، فقال : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) والمعنى : أن أحد الفريقين من الذين يوحدون الله الخالق الرّزاق ويخصونه بالعبادة ، والذين يعبدون الجمادات التي لا تقدر على خلق ، ولا رزق ، ولا نفع ، ولا ضرّ لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلالة ، ومعلوم لكلّ عاقل أن من عبد الذي يخلق ويرزق وينفع ويضرّ : هو الذي على الهدى ، ومن عبد الذي لا يقدر على خلق ولا رزق ولا نفع ولا ضرّ : هو الذي على الضلالة ، فقد تضمن هذا الكلام بيان فريق الهدى ، وهم المسلمون ، وفريق الضلالة وهم المشركون على وجه أبلغ من التصريح. قال المبرّد : ومعنى هذا الكلام معنى قول المتبصر في الحجة لصاحبه : أحدنا كاذب ، وقد عرف أنه الصادق المصيب ، وصاحبه الكاذب المخطئ. قال : وأو عند البصريين على بابها وليست للشكّ ، لكنها على ما تستعمله العرب في مثل هذا إذا