عليه من أفعالهم وأقوالهم خافية ، والجملة تعليل لما قبلها مع ما تضمنته من الوعيد الشديد.
وقد أخرج أبو عبيد في فضائله ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن ابن عباس قال : كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، يقول : ابتدأتها. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال : (فاطِرِ السَّماواتِ) بديع السموات. وأخرج ابن المنذر عنه أيضا في قوله : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) قال : الصوت الحسن. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) الآية قال : ما يفتح الله للناس من باب توبة (فَلا مُمْسِكَ لَها) هم يتوبون إن شاؤوا وإن أبوا ، وما أمسك من باب توبة (فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) وهم لا يتوبون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم في الآية قال : يقول ليس لك من الأمر شيء. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) قال : كل شيء في القرآن لهم مغفرة وأجر كبير ، ورزق كريم : فهو الجنة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة والحسن في قوله : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) قال : الشيطان زين لهم ؛ هي والله الضلالات (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) أي : لا تحزن عليهم.
(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠) وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤))
ثم أخبر سبحانه عن نوع من أنواع بديع صنعه وعظيم قدرته ، ليتفكروا في ذلك وليعتبروا به ، فقال : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) قرأ الجمهور : الرياح ، وقرأ ابن كثير ، وابن محيصن ، والأعمش ، ويحيى ابن وثاب ، وحمزة ، والكسائي «الرّيح» بالإفراد (فَتُثِيرُ سَحاباً) جاء بالمضارع بعد الماضي استحضارا للصورة ، لأن ذلك أدخل في اعتبار المعتبرين ، ومعنى كونها : تثير السحاب أنها تزعجه من حيث هو (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) قال أبو عبيدة : سبيله فنسوقه ، لأنه قال : فتثير سحابا. قيل النكتة في التعبير بالماضيين بعد المضارع : الدلالة على التحقق. قال المبرد : ميت وميّت واحد ، وقال هذا قول البصريين ، وأنشد :