أي : ألم يسيروا في الأرض فينظروا ما أنزلنا بعاد وثمود ، ومدين وأمثالهم من العذاب لما كذبوا الرسل ، فإن ذلك هو من سنة الله في المكذبين التي لا تبدّل ولا تحوّل ، وآثار عذابهم وما أنزل الله بهم موجودة في مساكنهم ظاهرة في منازلهم (وَ) الحال أن أولئك (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) وأطول أعمارا ، وأكثر أموالا ، وأقوى أبدانا (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) أي : ما كان ليسبقه ويفوته من شيء من الأشياء كائنا ما كان فيهما (إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً) أي : كثير العلم ، وكثير القدرة لا يخفى عليه شيء ، ولا يصعب عليه أمر (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) من الذنوب وعملوا من الخطايا (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) أي الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) من الدواب التي تدبّ كائنة ما كانت ، أما بنو آدم فلذنوبهم ، وأما غيرهم فلشؤم معاصي بني آدم. وقيل : المراد ما ترك على ظهر الأرض من دابة تدبّ من بني آدم والجنّ ، وقد قال بالأوّل ابن مسعود وقتادة ، وقال بالثاني الكلبي. وقال ابن جريج ؛ والأخفش ، والحسين بن الفضل : أراد بالدابة هنا الناس وحدهم دون غيرهم (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو يوم القيامة (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) أي : بمن يستحق منهم الثواب ، ومن يستحق منهم العقاب ، والعامل في إذا هو جاء ، لا بصيرا ، وفي هذا تسلية للمؤمنين ، ووعيد للكافرين.
وقد أخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في السنن عن ابن عباس في قوله : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) قال : ستين سنة. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عنه أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين؟ وهو العمر الذي قال الله أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر» وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي ، وفيه مقال. وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري والنسائي ، والبزار ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أعذر الله إلى امرئ أخّر عمره حتّى بلغ ستين سنة» وأخرج عبد بن حميد ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه عن سهل بن سعد مرفوعا نحوه. وأخرج ابن جرير عن عليّ ابن أبي طالب قال : العمر الذي عمرهم الله به ستون سنة. وأخرج الترمذي ، وابن ماجة ، والحاكم ، وابن المنذر ، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أعمار أمّتي ما بين السّتين إلى السّبعين ، وأقلّهم من يجوز ذلك». قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، ثم أخرجه في موضع آخر من كتاب الزهد وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة ، وقد روي من غير وجه عنه. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو ستّ وأربعون سنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) أربعون سنة. وأخرج أبو يعلى ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والدارقطني في الأفراد ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول على المنبر : قال : وقع