لما أرادوا قتله نجاه الله من القتل ، وقيل له : ادخل الجنة فلما دخلها وشاهدها (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر ، أي : فماذا قال بعد أن قيل له ادخل الجنة فدخلها؟ فقيل : قال يا ليت قومي إلخ ، وما : في (بِما غَفَرَ لِي) هي المصدرية ، أي : بغفران ربي ، وقيل : هي الموصولة ، أي : بالذي غفر لي ربي ، والعائد محذوف ، أي : غفره لي ربي ، واستضعف هذا لأنه لا معنى لتمنيه أن يعلم قومه بذنوبه المغفورة ، وليس المراد إلا التمني منه بأن يعلم قومه بغفران ربه له. وقال الفراء : إنها استفهامية بمعنى التعجب ، كأنه قال : بأيّ شيء غفر لي ربي. قال الكسائي : لو صح هذا لقال بم من غير ألف. ويجاب عنه بأنه قد ورد في لغة العرب إثباتها وإن كان مكسورا بالنسبة إلى حذفها ، ومنه قول الشاعر :
على ما قام يشتمني لئيم |
|
كخنزير تمرّغ في دمان |
وفي معنى تمنيه قولان : أحدهما أنه تمنى أن يعلموا بحاله ليعلموا حسن مآله ، وحميد عاقبته إرغاما لهم. وقيل : إنه تمنى أن يعلموا بذلك ليؤمنوا مثل إيمانه ، فيصيروا إلى مثل حاله.
وقد أخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) قال : هي إنطاكية. وأخرج ابن أبي حاتم عن بريدة مثله. وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان بين موسى بن عمران وبين عيسى ابن مريم ألف سنة وتسعمائة سنة ، ولم يكن بينهما فترة ، وأنه أرسل بينهما ألف نبيّ من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم ، وكان بين ميلاد عيسى والنبي صلىاللهعليهوسلم خمسمائة سنة وتسع وستون سنة ، بعث في أوّلها ثلاثة أنبياء وهو قوله : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) والذي عزّز به شمعون ، وكان من الحواريين ، وكانت الفترة التي لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة سنة وأربع وثلاثون سنة. وأخرج ابن المنذر عنه أيضا في قوله : (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) قال : شؤمكم معكم. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ) قال : هو حبيب النجار. وأخرج ابن أبي حاتم عنه من وجه آخر ، قال اسم صاحب يس : حبيب ، وكان الجذام قد أسرع فيه. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود قال : لما قال صاحب يس (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) خنقوه ليموت فالتفت إلى الأنبياء فقال : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) أي : فاشهدوا لي.
(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ