وقوله :
أنا النّبيّ لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطّلب |
ونحو ذلك ، فمن الاتفاق الوارد من غير قصد كما يأتي ذلك في بعض آيات القرآن ، وليس بشعر ولا مراد به الشعر ، بل اتفق ذلك اتفاقا كما يقع في كثير من كلام الناس ، فإنهم قد يتكلمون بما لو اعتبره معتبر لكان على وزن الشعر ولا يعدّونه شعرا ، وذلك كقوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (١) وقوله : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) (٢) على أنه قد قال الأخفش إن قوله أنا النبيّ لا كذب ليس بشعر. وقال الخليل في كتاب العين : إن ما جاء من السجع على جزءين لا يكون شعرا. قال ابن العربي ، والأظهر من حاله أنه قال لا كذب برفع الباء من كذب ، وبخفضها من عبد المطلب. قال النحاس : قال بعضهم : إنما الرواية بالإعراب ، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعرا ، لأنه إذا فتح الباء من الأوّل أو ضمهما أو نوّنها وكسر الباء من الثاني خرج عن وزن الشعر. وقيل إن الضمير في له عائد إلى القرآن أي وما ينبغي للقرآن أن يكون شعرا (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) أي ما القرآن إلا ذكر من الأذكار وموعظة من المواعظ (وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) أي : كتب من كتب الله السماوية مشتمل على الأحكام الشرعية (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) أي : لينذر القرآن من كان حيا ؛ أي : قلبه صحيح يقبل الحقّ ويأبى الباطل ، أو لينذر الرسول من كان حيا. قرأ الجمهور بالياء التحتية ، وقرأ نافع وابن عامر بالفوقية ، فعلى القراءة الأولى المراد القرآن ، وعلى الثانية المراد النبيّ صلىاللهعليهوسلم (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) أي : وتجب كلمة العذاب على المصرّين على الكفر الممتنعين من الإيمان بالله وبرسله.
وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي الدنيا ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله : (فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) قال : في افتضاض الأبكار. وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن ابن مسعود في الآية قال : شغلهم افتضاض العذارى. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وقتادة مثله. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابن عمر قال : إن المؤمن كلما أراد زوجة وجدها عذراء. وقد روي نحوه مرفوعا عن أبي سعيد مرفوعا عند الطبراني في الصغير وأبي الشيخ في العظمة. وروي أيضا نحوه عن أبي هريرة مرفوعا عند الضياء المقدسي في صفة الجنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) قال : ضرب الأوتار. قال أبو حاتم : هذا لعله خطأ من المستمع ، وإنما هو افتضاض الأبكار. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه قال (فاكِهُونَ) فرحون. وأخرج ابن ماجة ، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة ، والبزار ، وابن أبي حاتم ، والآجري في الرؤية ، وابن مردويه عن جابر قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «بينا أهل الجنّة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الربّ قد أشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السّلام عليكم يا أهل الجنة ، وذلك قول الله (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) قال : فينظر إليهم وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم» قال ابن كثير : في إسناده نظر. وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : إن الله هو يسلم عليهم. وأخرج أحمد ، ومسلم ،
__________________
(١). آل عمران : ٩٢.
(٢). سبأ : ١٣.