والشقاق : مأخوذ من الشقّ وقد تقدّم بيانه. ثم خوّفهم سبحانه وهدّدهم بما فعله بمن قبلهم من الكفار فقال : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) يعني الأمم الخالية المهلكة بتكذيب الرسل ، أي : كم أهلكنا من الأمم الخالية الذين كانوا أمنع من هؤلاء وأشدّ قوّة وأكثر أموالا ، وكم : هي الخبرية الدالة على التكثير ، وهي في محل نصب بأهلكنا على أنها مفعول به ، ومن قرن : تمييز ، و «من» في «من قبلهم» هي : لابتداء الغاية (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) النداء هنا : هو نداء الاستغاثة منهم عند نزول العذاب بهم ، وليس الحين حين مناص. قال الحسن : نادوا بالتوبة وليس حين التوبة ولا حين ينفع العمل. والمناص : مصدر ناص ينوص ، وهو الفوت والتأخر. ولات : بمعنى ليس بلغة أهل اليمن. وقال النحويون : هي لا التي بمعنى لي زيدت عليه التاء كما في قولهم : ربّ وربت ، وثمّ وثمت قال الفراء : النوص التأخر ، وأنشد قول امرئ القيس :
أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص
قال : يقال ناص عن قرنه ينوص نوصا : أي فرّ وزاغ. قال الفراء : ويقال ناص ينوص : إذا تقدّم. وقيل المعنى : أنه قال بعضهم لبعض مناص ، أي : عليكم بالفرار والهزيمة ، فلما أتاهم العذاب قالوا مناص ، فقال الله (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) قال سيبويه : لات مشبهة بليس ، والاسم فيها مضمر ، أي : ليس حيننا حين مناص. قال الزجاج : التقدير وليس أواننا. قال ابن كيسان : والقول كما قال سيبويه ، والوقف عليها عند الكسائي بالهاء ، وبه قال المبرد والأخفش. قال الكسائي والفرّاء والخليل وسيبويه والأخفش : والتاء تكتب منقطعة عن حين ، وكذلك هي في المصاحف. وقال أبو عبيد : تكتب متصلة بحين ، فيقال : «ولا تحين» ومنه قول أبي وجرة السعدي :
العاطفون تحين ما من عاطف |
|
والمطعمون زمان ما من مطعم |
وقد يستغنى بحين عن المضاف إليه كما قال الشاعر :
تذكر حبّ ليلى لات حينا |
|
وأمسى الشيب قد قطع القرينا |
قال أبو عبيد : لم نجد العرب تزيد هذه التاء إلا في حين وأوان والآن. قلت : بل قد يزيدونها في غير ذلك كما في قول الشاعر :
فلتعرفنّ خلائقا مشمولة |
|
ولتندمنّ ولات ساعة مندم |
وقد أنشد الفراء هذا البيت مستدلا به على أن من العرب من يخفض بها ، وجملة : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) في محل نصب على الحال من ضمير نادوا. قرأ الجمهور «لات» بفتح التاء ، وقرئ «لات» بالكسر كجير (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) أي : عجب الكفار الذين وصفهم الله سبحانه بأنهم في عزّة وشقاق أن جاءهم منذر منهم ، أي : رسول من أنفسهم ينذرهم بالعذاب إن استمرّوا على الكفر ، وأن وما في حيزها في محل نصب بنزع الخافض ، أي : من أن جاءهم ، وهو كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع من أنواع كفرهم (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) قالوا هذا القول لما شاهدوا ما جاء به من المعجزات الخارجة