المراد بالأوتاد هنا البناء المحكم ، أي : وفرعون ذو الأبنية المحكمة. قال الضحاك : والبنيان يسمى أوتادا ، والأوتاد : جمع وتد أفصحها فتح الواو وكسر التاء ، ويقال وتد بفتحهما وودّ بإدغام التاء في الدال وودت. قال الأصمعي : ويقال وتد واتد مثل شغل شاغل وأنشد :
لاقت على الماء جذيلا واتدا |
|
ولم يكن يخلفها المواعدا |
(وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) الأيكة : الغيضة ، وقد تقدّم تفسيرها واختلاف القرّاء في قراءتها في سورة الشعراء ، ومعنى (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) أنهم الموصوفون بالقوّة والكثرة كقولهم : فلان هو الرجل ، وقريش وإن كانوا حزبا كما قال الله سبحانه فيما تقدّم (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) ولكن هؤلاء الذين قصهم الله علينا من الأمم السالفة هم أكثر منهم عددا ، وأقوى أبدانا ، وأوسع أموالا وأعمارا ، وهذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة ، ويجوز أن تكون خبرا ، والمبتدأ قوله : (وَعادٌ) كذا قال أبو البقاء وهو ضعيف ، بل الظاهر أن (عاد) وما بعده معطوفات على قوم نوح ، والأولى أن تكون هذه الجملة خبرا لمبتدأ محذوف ، أو بدلا من الأمم المذكورة (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) إن : هي النافية ، والمعنى : ما كلّ حزب من هذه الأحزاب إلا كذب الرسل ، لأن تكذيب الحزب لرسوله المرسل إليه تكذيب لجميع الرسل أو هو من مقابلة الجمع بالجمع ، والمراد تكذيب كلّ حزب لرسوله ، والاستثناء مفرغ من أعمّ الأحوال ، أي : ما كلّ أحد من الأحزاب في جميع أحواله إلا وقع منه تكذيب الرسل (فَحَقَّ عِقابِ) أي : فحقّ عليهم عقابي بتكذيبهم ، ومعنى حقّ : ثبت ووجب ، وإن تأخر فكأنه واقع بهم ، وكلّ ما هو آت قريب. قرأ يعقوب بإثبات الياء في «عقاب» وحذفها الباقون مطابقة لرؤوس الآي (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) أي : ما ينتظرون إلا صيحة ، وهي النفخة الكائنة عند قيام الساعة. وقيل : هي النفخة الثانية ، وعلى الأوّل : المراد من عاصر نبينا صلىاللهعليهوسلم من الكفار ، وعلى الثاني : المراد كفار الأمم المذكورة ، أي : ليس بينهم وبين حلول ما أعدّ الله لهم من عذاب إلا أن ينفخ في الصور النفخة الثانية. وقيل : المراد بالصيحة عذاب يفجؤهم في الدنيا كما قال الشاعر :
صاح الزمان بآل برمك صيحة |
|
خرّوا لشدتها على الأذقان |
وجملة (ما لَها مِنْ فَواقٍ) في محل نصب صفة لصيحة. قال الزجاج : فواق وفواق بفتح الفاء وضمها ، أي : ما لها من رجوع ، والفواق : ما بين حلبتي الناقة ، وهو مشتقّ من الرجوع أيضا ، لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين ، وأفاق من مرضه : أي رجع إلى الصحة ، ولهذا قال مجاهد ومقاتل : إن الفواق الرجوع. وقال قتادة ما لها من مثنوية. وقال السدّي : ما لها من إفاقة ، وقيل ما لها من مردّ. قال الجوهري : ما لها من نظرة وراحة وإفاقة ، ومعنى الآية أن تلك الصيحة هي ميعاد عذابهم ، فإذا جاءت لم ترجع ، ولا تردّ عنهم ، ولا تصرف منهم ، ولا تتوقف مقدار فواق ناقة ، وهي ما بين حلبتي الحالب لها ، ومنه قول الأعشى :
حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت |
|
جاءت لترضع شقّ النفس لو رضعا |