أصاب الصواب ، وأخطأ الجواب. وقيل : إن معنى أصاب بلغة حمير أراد ، وليس من لغة العرب ، وقيل : هو بلسان هجر ، والأول أولى ، وهو مأخوذ من إصابة السهم للغرض (وَالشَّياطِينَ) معطوف على الريح ، أي : وسخرنا له الشياطين ، وقوله : (كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) بدل من الشياطين ، أي : كل بناء منهم ، وغواص منهم يبنون له ما يشاء من المباني ، ويغوصون في البحر فيستخرجون له الدر منه ، ومن هذا قول الشاعر (١) :
إلا سليمان إذ قال الجليل له |
|
قم في البرية فاحددها عن الفند |
وخيّس الجنّ أني قد أذنت لهم |
|
يبنون تدمر بالصفّاح والعمد |
(وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) معطوف على كلّ داخل في حكم البدل ، وهم مردة الشياطين سخروا له حتى قرنهم في الأصفاد. يقال : قرنهم في الحبال إذا كانوا جماعة كثيرة ، والأصفاد : الأغلال واحدها صفة. قال الزجاج : هي السلاسل ، فكل ما شددته شدا وثيقا بالحديد وغيره فقد صفدته. قال أبو عبيدة : صفدت الرجل فهو مصفود ، وصفدته فهو مصفد ، ومن هذا قول عمرو بن كلثوم في معلقته :
فآبوا بالنهاب وبالسبايا |
|
وأبنا بالملوك مصفّدينا |
قال يحيى بن سلام : ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم ، فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم ، والإشارة بقوله : «هذا» إلى ما تقدم من تسخير الريح والشياطين له ، وهو بتقدير القول : أي وقلنا له (هذا عَطاؤُنا) الذي أعطيناكه من الملك العظيم الذي طلبته (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ) قال الحسن والضحاك وغيرهما : أي فأعط من شئت وامنع من شئت (بِغَيْرِ حِسابٍ) لا حساب عليك في ذلك الإعطاء أو الإمساك ، أو عطاؤنا لك بغير حساب لكثرته وعظمته. وقال قتادة : إن قوله : (هذا عَطاؤُنا) إشارة إلى ما أعطيه من قوة الجماع ، وهذا لا وجه لقصر الآية عليه لو قدّرنا أنه قد تقدم ذكره من جملة تلك المذكورات ، فكيف يدعى اختصاص الآية به مع عدم ذكره (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) أي قربة في الآخرة (وَحُسْنَ مَآبٍ) وحسن مرجع ، وهو الجنة.
وقد أخرج الفريابي ، والحكيم الترمذي ، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) قال : هو الشيطان الذي كان على كرسيه يقضي بين الناس أربعين يوما ، وكان لسليمان امرأة يقال لها جرادة ، وكان بين بعض أهلها وبين قوم خصومة ، فقضى بينهم بالحق إلا أنه ود أن الحق كان لأهلها ، فأوحى الله إليه أن سيصيبك بلاء ، فكان لا يدري أيأتيه من السماء أم من الأرض؟ وأخرج النسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم قال السيوطي بسند قوي عن ابن عباس قال : أراد سليمان أن يدخل الخلاء فأعطى لجرادة خاتمه ، وكانت جرادة امرأته وكانت أحب نسائه إليه ، فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي فأعطته ، فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين ، فلما خرج سليمان
__________________
(١). هو النابغة الذبياني.