إِيمانَكُمْ) (١) يعني الصلاة ، فسماها إيمانا. وذهب جماعة إلى أن الله سبحانه لم يبعث نبيا إلا وقد كان مؤمنا به ، وقالوا معنى الآية : ما كنت تدري قبل الوحي كيف تقرأ القرآن ، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان ، وقيل : كان هذا قبل البلوغ حين كان طفلا وفي المهد. وقال الحسين بن الفضل : إنه على حذف مضاف ، أي : ولا أهل الإيمان ، وقيل : المراد بالإيمان دين الإسلام ، وقيل : الإيمان هنا عبارة عن الإقرار بكل ما كلف الله به العباد (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ) أي ولكن جعلنا الروح الذي أوحيناه إليك ضياء ودليلا على التوحيد والإيمان نهدي به من نشاء هدايته (مِنْ عِبادِنا) ونرشده إلى الدين الحقّ (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال قتادة ، والسدّي ، ومقاتل : وإنك لتدعو إلى الإسلام ، فهو الصراط المستقيم. قرأ الجمهور (لَتَهْدِي) على البناء للفاعل. وقرأ ابن حوشب على البناء للمفعول. وقرأ ابن السميقع بضمّ التاء وكسر الدّال من أهدى ، وفي قراءة أبيّ «وإنّك لتدعو» ثم بيّن الصراط المستقيم بقوله : (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وفي هذه الإضافة للصراط إلى الاسم الشريف من التعظيم له ، والتفخيم لشأنه ما لا يخفى ، ومعنى (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أنه المالك لذلك والمتصرّف فيه (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) أي : تصير إليه يوم القيامة لا إلى غيره جميع أمور الخلائق ، وفيه وعيد بالبعث المستلزم للمجازاة.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) قال : ذليل. وأخرج عبد ابن حميد ، وابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن محمد ابن كعب قال : يسارقون النظر إلى النار. وأخرج ابن مردويه ، وابن عساكر عن واثلة بن الأسقع عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من بركة المرأة ابتكارها بالأنثى ، لأن الله قال : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ)». وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) قال : الذي لا يولد له. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) قال : إلا أن يبعث ملكا يوحي إليه من عنده ، أو يلهمه فيقذف في قلبه ، أو يكلمه من وراء حجاب. وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) قال : القرآن. وأخرج أبو نعيم في الدلائل ، وابن عساكر عن عليّ قال : قيل لمحمد صلىاللهعليهوسلم هل عبدت وثنا قط؟ قال لا : قالوا : فهل شربت خمرا قط؟ قال لا ، وما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر ، وما كنت أدري ما الكتاب ولا الإيمان ، وبذلك نزل القرآن (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ).
* * *
__________________
(١). البقرة : ١٤٣.