ولم يقل : سبحوا بنعمة ربهم ؛ لأن النعمة غير ملازمة لهم.
قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً).
قال ابن عطية : نزلت في علي والوليد بن عقبة بن أبي معيط ؛ لأن الوليد قال لعلي كرم الله وجهه : أنا أغبط منك لسانا وأحد سنانا وأرد مكسبة ، فقال له علي : أسكت يا فاسق.
ابن عرفة : إن صح كيف أن نقول له هذا ، وهو مسلم ، فأجاب : باحتمال أن تكون هذه نزلت بعد آية الحجرات وهي (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [سورة الحجرات : ٦] ، لأنها نزلت في الوليد لما بعثه النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ببني المصطلق ، فقال له : أنهم لم يؤمنوا فأرسل إليهم علي بن أبي طالب ، فخرجوا بأجمعهم وآمنوا فنزلت الآية ، وكان الوليد لما رآهم خرجوا بجماعتهم ظن أنهم يقاتلونه ، وهو الذي ولاه عثمان على الكوفة ، وعزل عنها سعد بن أبي وقاص مرة ، ويقال : إن الوليد أخو عثمان مرة لأمه فبقي واليا عليهم إلى أن صلى بهم الصبح أربع ركعات ، وقال : إن شئتم أزيدكم ، فقال ابن عباس : ما زال أمرنا في زيادة منذ وليت علينا فإذا هو سكران فعزله عثمان ، وأمر بجلده ، فجلد وهو يعد أسواطه حتى بلغه أربعين فأمره علي رضي الله عنه بالكف عنه ، وقال : جلد رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم في الخمر أربعين ، وأبو بكر رضي الله عنه وعمر ثمانين ، فإني رأيت أن تقف على أربعين فافعل ، قاله أبو عمرو ، وفي الاستيعاب ، وهو خلاف ما نقله عنه الأصوليون من أن عليا كرم الله وجهه اختار في حد الخمر ثمانين ، وقال : إذا شرب هذا افترى فأرى عليه حد الضربة ثمانين ، وذكر أنه شهد عليه رجل أنه شربها ، وأخبر بأنه قاءها ، فقال عثمان : ما قاءها حتى شربها.
قال ابن عرفة : ولما تقدم الكلام على المؤمن ومدحه بأخص وصفه عقبه ببيان أن مطلق الإيمان ومطلق الفسق لا يستويان ، وهو دليل على أن المراد هنا بالفسق الكفر ، لأنه جعله ضد مطلق الإيمان.
قوله تعالى : (فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى).
قال ابن عطية : سميت جنة المأوى ؛ لأن أرواح المؤمنين تأوي إليها إلى قناديل معلقة تحت ساق العرش ، والعرش سقف الجنة ، ولعلها تأوى إليها في الدنيا ؛ لأن الشهيد تنعم روحه وجسده.
قوله تعالى : (نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).