سورة الأحزاب
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ).
قال ابن عرفة : قالوا : أكثر ما وقع في القرآن مخاطبته بصفاته فيقال : يا أيها الرسول (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) ، وكذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ) [سورة الأعراف : ١٥٧] ، وما وقع التعبير عنه باسم العلم إلا في نحو خمس آيات ، وهو قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) [سورة آل عمران : ١٤٤] ، وقوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [سورة الأحزاب : ٤٠] ، وقوله تعالى : (وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) [سورة محمد : ٢] ، وقوله سبحانه وتعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) [سورة الفتح : ٢٩] ، وقوله عزوجل (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [سورة الصف : ٦] ، قال : وسبب ذلك أن هذه الصفات ذكرت على سبيل المدح والتشريف ، فلذلك كثر ذكرها ، والتصريح باسمه العلم ، أنما هو يميزه عن غيره فقط.
قوله تعالى : (اتَّقِ اللهَ).
إن قلت : ما فائدة أمره بالتقوى مع أنه تحصيل الحاصل ، قلنا : متعلق الأمر بالشيء لمن هو متصف به ، إن كان متعلقه مقولا بالتشكيك ففائدته الترقي في أجزائه ، والاتصاف بإعلام وإن لم يكن كذلك ففائدته الدوام عليها.
قوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ).
قال ابن عرفة : فائدته عندي أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخفض جناحيه لهم ، فيوافقهم على فعل ما يصل به إلى غاية ما يباح له فعلا شرعا استيلافا لهم وحرصا على إيمانهم ، فقيل له لا تفعل هذا ، فإن ذلك يندرج بهم إلى طمعهم فيك ، وتعلق آمالهم لطلبهم منك ما لا يباح لك فعله شرعا ، وهذا كما يطلبه منك عبدك درهما ، فإن سعفته به يتجاسر عليك ، ويطلب منك دينارا.
قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ).
قال الزمخشري : لو كان قلبان لكان تاما أن يفيده أحدهما من العلم ، ما أفاده الآخر أو غيره ، فالأول : تحصيل الحاصل ، والثاني : يلزم عليه اجتماع النقيضين.
قال ابن عرفة : هذا على أن أصله أن الصفة إذا قامت بحدث أوجبت الحكم لجميع الذوات ، وهو مردود بحاستي السمع والبصر واليدين ، فإنه يسمع بالأذن مثل ما