سورة لقمان
[٥٩ / ٢٨٨] قوله تعالى : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ).
قال ابن عرفة : اختلفوا هل ابتداء وصية أخرى من لقمان لولده أو جواب عن سؤال مقدر سأله عنه ولده ؛ لأنه لما أوصاه باعتقاد وجود الله تعالى ووحدانيته ونفي الشريك عنه ، سأله عن صفاته من العلم والقدرة والإرادة ، فأجابه بهذا.
وقوله تعالى : (إِنَّها) ، قال أبو حيان : إنها ضمير القصة ، وقال الزمخشري : الضمير راجع للهيئة من الإساءة والإحسان ، أي الفعلة ، وقال ابن عطية : المضمر للفعلة.
قال ابن عرفة : والظاهر أنه غير ماهية الشيء لتناول الجواهر والأعراض والفعلة عرض ، وكذلك الهيئة والقصة.
قوله تعالى : (مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ).
وقال تعالى في سورة إذا زلزلت : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة : ٧ ـ ٨] ، ولم يقل : (مِثْقالَ حَبَّةٍ؟) فأجيب : بأن الخطاب هنا خاص بمعنى وهو ولد لقمان ، فتناسب ذكر الحبة التي هي أظهر وأجلا وأخص من الذرة ، والخطاب هناك عام ، فناسب تعلقه بالذرة التي هي أعم من الحبة وأخف ، فإن قلت : ما أفاد لفظة مثقال؟ قلنا : الخطاب بتعلق القدرة بالحبة خاص بها ، والخطاب بتعلقها بمثقالها عام فيها ، وفي كل ما هو في وزنها مما ليس بحبة ، فإن قلت : هلا قال : مثقال حبة خردل بالإضافة ، قلنا : نص التخصيص بعد الإبهام ، كقوله (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) [سورة البقرة : ١٢٧] ، ولم يقل : قواعد البيت ، فإن قلت : ما أفاد ، قوله (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) ، وهلا قال (إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) قلنا : إما على قراءة فتكن بالتشديد فالفائدة ظاهرة ، وإما على قراءة التخفيف فوجه فائدة تظهر بما قال المفسرون ، في قوله تعالى : (يَأْتِ بِهَا اللهُ) ، إنه راجع إما لصفة القدرة ، أو لصفة العلم ، فإن كان لصفة القدرة ، فيقول : ذكر الأصوليون إن الحادث قبل حدوثه لا تعلق به قدرة بلا خلاف ، وحين حدوثه فهي متعلقة به بلا خلاف وبعد حدوثه ، قال في الإرشاد : اتفقوا على أنها غير متعلقة به فيكون قوله تعالى : (إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ) ، فمعنى إن توجد مثقال حبة ، وقوله تعالى : (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) ، أي فتبقى في الصخرة.