اذكر حالهم إذا أخذنا ، وأما ذكر الوقت نفسه ، فلا يصح ؛ لأنه ماض ، فكيف يؤمر الآن بالذكر ، إلا أن يكون مفصولا به فيكون أمر بذكره لا بالمذكور فيه ، مع أن ابن عطية جعله ظرفا ، والنبي أعم من الرسول ، وقيل : أخص واحتج ابن راشد على كونه أخص بقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) [سورة الحج : ٥٢] ، فعطف النبي عليه ، دليل على كونه أخص ورد ابن عرفة : بأنه في سياق النفي فينتج له العكس ؛ لأن النفي الأخص أعم من النفي الأعم ، وقد ذكر محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم تشريفا له ، وروي أنه قال : " كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث" ، قيل لابن عرفة : فجاء تقديمه على الأصل ؛ لأنه أولهم خلقا حين أخرجوا من ظهر آدم كالذرأ يوم السبت بربكم ، فقال : لزمك أن يكون خلق ، قيل : آدم مع أنه أخرج من ظهره ، قلنا : نلتزمه لما ورد أنه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم كان ذرأ قبل خلق آدم انتقل ذلك النور إلى ظهره ، نقله عياض في الشفاء في الفصل السادس من الباب الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت قريش نورا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألفي عام ، يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه ، فلما خلق الله تعالى آدم ألقى ذلك النور في صلبه.
قوله تعالى : (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً).
قال ابن عرفة : وكان شيخنا ابن عبد السّلام يقول : إنما كرره ؛ لأن المصدر تارة يعتبر من حيث إضافته للمفعول ، وتارة يعتبر من حيث إضافته للفاعل ، ومثاله إذا أخذ رجلان مالا بالسواء ، أخذ أحدهما نصفه منه من عند رجل عظيم ، والآخر نصفه منه من عند رجل حقير فالأخذ بالنسبة إلى المفعول مسبق ، وبالنسبة إلى الفاعل متفاوت ، فقوله تعالى : (مِيثاقَهُمْ) ، إما مصدر مضاف للمفعول فلذلك لم يصفه بالغلظة ، اعتبارا بنسبته للفاعل ، وهو الله تعالى ، ولما كرره لم يعرف بأل لكونه ذكر أولا معرفا على منكر.
قوله تعالى : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ).
ذكر ابن عطية احتمال كون اللام للصيرورة ، على أن الضمير في يسأل عائد على غير الله تعالى ، إما على الملك أو نحوه ؛ لأن لام الصيرورة تقتضي أن الفاعل جاهل بعاقبة الأمر.
قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً).